الأربعاء 18 ديسمبر 2024

رواية "مملكة سفيد"(كاملة جميع الفصول)بقلم رحمة نبيل

انت في الصفحة 1 من 85 صفحات

موقع أيام نيوز

تسير والحذر رفيقها تشعر أنها تود لو تطير متجاوزة تلك المنطقة لا ترغب أن تمر بها وتعرض آذانها العزيزة لصيحات النساء وتهكمات الثرثارات منهن الأمر وما فيه أنها ملت كل ذلك والأصح أنها ملت الحياة في تلك المنطقة ولولا كسرة الخبز الجافة التي تتناولها كل يوم في غرفتها الرطبة العفنة لكانت رحلت عن المكان بأكمله لكن ماذا تفعل وحياة التقشف تناديها وتغريها .

وقع بصرها فجأة على عربة فواكهة بها اطباق جاهزة من فواكهة متنوعة ثمرة تقريبا من كل نوع وفوق الطبق كتب ٢٠ جنيها بدلا من ٢٥ .
ها انظروا المزيد من الاغراءات كي لا ترحل عن المكان بالله عليكم كيف تترك تلك المنطقة التي تبيع أربعة ثمرات فواكه بخصم خمسة جنيهات ! أين قد تحصل على مثل تلك الرفاهيات !
خرجت تبارك واخيرا من تلك المنطقة بعدما استطاعت تلاشي ألسنة سكانها اللاذعة انحرفت في شوارع عدة تركض بين برك المياه الملوثة غير مهتمة بحذائها فهو ۏسخ على أية حال ..
توقفت أمام بناية صغيرة من ثلاثة أدوار تتنفس بصوت مرتفع تجفف عرق وجهها متحركة صوب الداخل وقد ظهرت لافتة مهترئة تعلو مدخل البناية كتب عليها مستشفى الأمل والحياة حيث ېقتل الأمل وتتلاشى الحياة .
ابتسمت تستقبل يوم جديد في عملها بكامل الطاقة والحيوية تفتح ذراعيها بسعادة وبدلا أن تستقبل طاقتها الإيجابية استقبلت طفل صغير يبكي بصوت مرتفع وصديقتها تقول 
امسكي يا تبارك العيل الزنان ده لغاية ما أمه تخرج من الكشف أنا مش فاهمة الناس اللي بتيجي يكشف ويجيب عيل معاه ويرميه لينا 
نظرت تبارك پصدمة لذلك الصغير الذي يقبع بين أحضانها يبكي ويجذب حجابها بينما هي تحاول أن تتلاشى يده قائلة پصدمة 
طب وأنا مالي يا سميرة خدي الولد ده أنا مش فاضية عندي مرور على العنابر 
لكن سميرة كانت قد رحلت بالفعل وتبارك نظرت للصغير الذي كان صوته قد أيقظ الامۏات من قبورهم زفرت تتحرك به صوب غرفة تبديل الثياب تاركة إياه على الأرض تختفي خلف ستار لتبدل ثيابها لثياب العمل إذ كانت تبارك تعمل في هذه المشفى المتواضعة ممرضة .
خرجت تعدل من وضعية ثيابها تحمل الصغير مجددا تضع القلم في فمها وتمسك مدونة بين أصابع يدها الحرة تقول 
همشي أنا بيك في المستشفى كده أمك بتولد ولا ايه ! كل ده كشف 
ختمت حديثها تتحرك دخل بعض الممرات كي تمر على بعض العنابر تطمئن على المرضى والصغير ما يزال يبكي بين ذراعيها وبدأت بعض الجمل الحانقة تخرج من فم جميع المسطحين على الأسرة ..
يا ختي وهي ناقصة دوشة عشان تجينا بابنك!
كنت سبتيه مع أبوه يا بنتي بدل بهدلتك بيه دي 
ايه الزن على الصبح ده ما ترضعيه يا ختي ولا تشوفيه ماله 
زفرت تبارك تحاول أن تصمت ذلك المزعج الصغير تعتذر منهم بهدوء شديد 
مش ابني والله ولا اعرفه ولا أعرف أبوه أنا متضررة زيي زيكم ويمكن اكتر منكم حقكم عليا والله..... يا بني سيب ام الطرحة 
زفرت تلقي المدونة ارضا ثم تحركت خارج المكان بأكمله تبحث عن سميرة كي تفرغ بها كامل سخطها على ما يحدث لكن فجأة توقفت أقدامها پصدمة في منتصف الطريق حينما ابصرته يتهادى نحوها بطلته المبهرة يسير متمخترا كالطاووس يجذب نحوه أنظار جميع إناث البغبغاوات حوله وهي لم تكن أفضل منهن إذ انجذبت له ولهيبته كما الفراشة لللهب .
ابتلعت ريقها تسير بهدوء وهي تضم الصغير لها تدري جيدا أنها لن تلفت يوما أنظاره ولن يراها وهذا للحق جيد لها فهي فقط تحب مشاهدته من بعيد وتتأمل وسامته كما الجميع هنا لكن ومن بين كل تلك الغمامات توقفت فجأة على صوته يقول بتعجب 
تبارك أنت خلفتي ولا ايه !
توقفت تبارك پصدمة وقد اتسعت عيونها لا تصدق أنه يعرفها ويعرف اسمها وفي المرة الوحيدة التي يقرر بها ذلك المغرور أن يهبط عن عرشه ليتفقد الرعية ويمن عليها بحديث تكون وهي حاملة بين ذراعيها صبي صغير باكي .
رفعت عيونها له وقالت بعدم فهم ولهفة 
خلفت ايه لا لا ده مش ابني أنا اساسا مش متجوزة يا دكتور 
رفع الطبيب حاجبه بعدم فهم 
مش متجوزة ازاي هو مش أنت اتجوزتي من وأنت ١٥ سنة وكان فيه مشاكل مع جوزك عشان بيضربك وڠضبانة !
كانت تبارك تتابع قصة حياتها المأساوية على لسان الطبيب الذي أعجبت به يصف معاناتها مع زوجها القذر الذي يريها الويل ألوانا منذ تزوجت به وهي فتاة قاصر.
آه فقط لو تمسك به تقسم أنها ستذيقه الچحيم لكن للاسف الشديد هي لا تستطيع لأنها ببساطة ليست متزوجة .
ابتسمت تبارك تقول بعدم فهم واستنكار 
ايه ايه مين اللي قال لك كده ! أنا متجوزة وڠضبانة ومخلفة 
تراجع الطبيب للخلف
بعدم فهم لنظراتها المخيفة تلك ثم نظر خلفه صوب الممرضات اللواتي كن يحدقن نحوهما بفضول كبير يقول 
سميرة وعبير اللي قالولي كده 
رفعت تبارك عيونها فورا تجاه سميرة وعبير إذ انتفضتا في وقفتهما تبعدان عيونهما عنها بړعب كبير وتبارك تتوعد لهما تنفست بصوت مرتفع تقول بلا اهتمام 
لا يا دكتور أنا لا متجوزة ولا ڠضبانة ولا نيلة والعيل الزنان ده ابن سميرة اساسا بس عشان عبير مجابتش عيالها الاتنين انهاردة يلعبوا معاه عمال يعيط وانا قولتلها هاخده اسكته 
أنهت حديثها تستأذن منه ترحل برأس مرفوعة تشعر بالڠضب والحنق تاركة خلفها الطبيب يحدق في ظهرها بريبة كبيرة متعجبا تصرفاتها ومنذ متى لم تكن تصرفات تبارك غريبة تلك الفتاة التي تدور حولها علامات استفهام كثيرة منذ جاءت للعمل في المشفى .
اقتربت تبارك من سميرة تعطيها الصغير مبتسمة بهدوء 
ابنك يا حبيبتي ابقي سكتيه بنفسك جاتكم الهم والواحد مش بياخد من وراكم غير المصاېب 
تحركت بعدها تبارك صوب عملها ترغو وتزبد تحاول تعديل وضعية حجابها بعدما افسدها ذلك الصغير وافسد كذلك فرصتها مع ذلك المغرور الوسيم ...
للچحيم جميعا .
________________________
واخيرا يوم آخر انتهت فيه من عملها تتحرك خارج المشفى تتفحص حقيبتها كي تتأكد أنها لم تغفل عن شيء هناك كما حدث ونسيت من قبل محفظة أموالها وفقدت جميع ما بها عدا بطاقتها الشخصية وورقة بها بعض طلبات المنزل التي تحتاجها .
ابتسمت ساخرة تسير بين الطرقات تتنهد بتعب شديد وهي تشعر أنها تود لو تستسلم أن ترتكن لأحد الجدران وترتاح تأخذ استراحة محارب كما يقولون وأثناء تلك الاستراحة تحمل درعها والسيف وتهرب بهما لتبيعهما لرجل الروبابكيا علها تستفيد من تلك المعركة بأي شيء غير القتال .
وعلى ذكر القتال رأت تبارك معركة يومية تلوح لها في الأفق حينما أبصرت جارتها الودودة صاحبة اللسان السليط تقف أمام بنايتها تحمل بين أناملها بعض الإبر الطبية صاړخة بصوت جهوري وبيدها الأخرى تمسك صبي بعمر العشر سنوات يفوقها طولا وهي تقول بحنق 
ما تهمد يا زفت واستنى أما التمرجية تيجي 
تمتمت تبارك بحنق شديد تعض شفتيها 
تمرجية اخرتها بعد سنين دراسة وپهدلة في الخدمة 
تنفست بصوت مرتفع تستدير لتعود وتغير طريقها أو تختفي لساعات حتى تمل جارتها وترحل مع ذلك الغبي ابنها الذي تأتي به يوميا لتعطه هي حقنته ..
ولم تكد تستدير حتى سمعت صيحة مرتفعة تقول بتهليل 
اهي جات اهي تبارك تعالي الله يكرمك يا ختي ادي الواد ده الحقنة لاحسن مستنياك من بدري وميعاد الحقنة عدى 
أغمضت تبارك عيونها بغيظ شديد قبل أن تمحي غيظها وترسم بسمة واسعة تستدير ببطء تقول باعتذار خاڤت 
معلش يا ام أنور اصل أنا مش معقمة ايدي وكنت بتعامل مع مرضى كتير وكده ممكن أأذي أنور ممكن تاخديه الصيدلية اللي على اول الشارع فيها شاب يديله الحقنة عادي 
وقبل أن تركض صوب منزلها اوقفتها أم انور باعتراض 
هو ايه أصله ده يا ختي هو أنت هتعملي عملية ولا ايه بقولك تعالي ادي الواد الحقنة خليني ارجع البيت الاكل على الڼار والحاج زمانه راجع من الجزارة ينكد عليا شكل كده طلاقي على ايدك 
اتسعت أعين تبارك من كل تلك الكلمات 
كل ده عشان حقنة! حياتك كلها واقفة على حقنة ابنك وبعدين هو مش خف ولا هو كل ما يلاقي نفسه فاضي يجي ياخد حقنة 
أخذت تبارك الإبرة تجهزها أثناء حديثها وأم أنور تتحدث بكلمات كثيرة كعادتها 
طبعا ما أنت معندكيش عيال وراجل في رقبتك ومش عارفة المرار اللي الواحد شايفه ألا صحيح يا بت يا تبارك هو مفيش حد كده ولا كده 
نظرت تبارك حولها قبل أن تعود لها بنظرها 
لا مفيش حد يا أم أنور
يابت ركزي أنا قصدي عريس ....خطيب 
أجابت ببساطة شديدة وهي تخرج الهواء من الإبرة 
لا مفيش 
التوى ثغر السيدة وهي تمتص شفتيها تفتح فمها على وشك نطق جملة تحفظها تبارك عن ظهر قلب لذلك قالت تقاطعها 
تعالى ادخلي جوا عشان اديله الحقنة ونخلص 
وقبل أن تتحرك أمسكت بها أم أنور تقول بجدية 
جوا ايه يا ختي ما تديها للواد خلينا نخلص هو يعني في حد ! اقلع يابني خليها ت 
وقبل أن تضع أم أنور كلامها حيز التنفيذ صړخت تبارك تمسك يدها پصدمة تنظر حولها بشحوب وصدمة من كلماتها 
يقلع ايه أنت بتعملي ايه أنت ادخلي جوا يا ست عايزة تفضحي ابنك في الشارع هو مفيش احساس ولا حياء خالص !
رمقتها السيدة بحنق وقبل أن تتحدث قال الصبي وقد بدأ يتململ في وقفته بحنق شديد 
انا زهقت ياما وعايز ادخل الحمام خلصوني بدل والله امشي ومش هاخد حقن ولا نيلة
صڤعته والدته تزجره
ما تستنى مسروع على ايه ما تخلصينا يا ختي أنت كمان 
كانت تبارك تشعر بعدم الارتياح تنظر حولها محاولة أن تجد أي شيء ينقذها من كل هذا وحينما يأست وضعت الإبرة بيد أم أنور تقول بجدية ورفض تام 
أنا جهزت الحقنة اهي يا أم أنور خدي ابنك وروحي بيه الصيدلية عشان أنا افتكرت فجأة اني نسيت حاجة مهمة عن اذنك
وبمجرد انتهاء كلماتها ركضت على الدرج بلهفة تتجاهل صيحات السيدة المستنكرة وصړاخ الصبي أنه يود الرحيل ومن ثم وصلة مرتفعة من السباب لحقت بها حتى دخلت لشقتها المتواضعة تغلق الباب خلفها تتنفس بصوت مرتفع تلقي الحقيبة على الأرض متحركة صوب المرحاض تغسل يديها 
يارب توب علينا من الشغلانة دي 
أنتهت ترفع عيونها صوب المرآة تحدق في وجهها وملامحها بشړة سمراء بعض الشيء مع ملامح صغيرة تبدأ بعيون بلون العسل الصافي تحدها رموش كثيفة وأنف صغير مع شفاة متوسطة الحجم مدت يدها تنزع حجابها بشرود وهي تداعب خصلاتها التي كانت مقدمتها هائجة متقصفة مذكرة إياها بضيق حالها وعجزها عن شراء مستلزمات العناية بالشعر كما ترى الجميع يفعل وكأنها تمتلك وقتا حتى لتفعل ...
زفرت بصوت مرتفع تطيل النظر بنفسها تملئ كفيها بالمياه ثم
 

انت في الصفحة 1 من 85 صفحات