رواية المــافيـــا والحب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
و... يبدو أني
استغرقت في التفكير فلم أنتبه للباب الذي فتح لتوه تسمرت في مكاني مذهولة وأنا أرى فيجو يحتله بجسده الضخم بالطبع بدل ثيابه المبتلة بأخرى جافة وأنيقة سروال رمادي داكن يعانق ساقين مليئتين بالعضلات القوية وقميص أسود اللون يلتصق بعضلاته البارزة من أسفله لكن بدون رابطة عنق وياقة مفتوحة. تراجعت تلقائيا للخلف لأوفر مسافة آمنة لي رغم ارتجاف صوتي
استقام في وقفته فظهرت هيبته المطعمة بقوة تدب الخۏف في القلوب ابتسم واضعا يديه في جيبي سرواله ورمقني بتلك النظرة المستخفة المثبتة على مفاتني وهو ينطق ساخرا مني
وكأنك تملكين شيئا لم أشاهده من قبل!
اغتظت بشدة من اقتحامه لخصوصيتي فهتفت أنعته بعصبية
رد بابتسامته المتسلية وكأنه يتعمد استفزازي وإثارة حنقي أكثر
لم تر الوقاحة بعد آنستي!
شهقت لصراحته الفجة واړتعبت من نظراته الغامضة المھددة لكينونتي استجمعت شجاعة هربت منذ أزل لأوبخه بضيق وأنا اتجه للفراش لأسحب الغطاء وألف به جسدي لأمنعه من التطلع إليه بتلك الجرأة
كنت متأكدة أنه يتبعني بنظراته وإن لم أكن أنظر في اتجاهه تصلبت أكثر في وقفتي واستدرت كليا نحوه بنصف استدارة حين قال بصوته الصارم
لننهي تلك السخافة اسمعيني جيدا...
ضاقت عيناي على الأخير للحظة قبل أن تتسع في هلع وهو يؤكد لي بلهجته التي تجعلني انتفض خوفا وإصبعه مرفوع في وجهي
لعقت شفتاي الجافتين وتداركت خۏفي الظاهر مؤكدا على ملامحي لأرد محتجة على امتلاكه المعلن لي
لن يحدث.
تقدم نحوي بثبات وعلى الفور تراجعت بخطوات مرتبكة للخلف لأبتعد عنه لكني اصطدمت بالحائط البارد وقبل أن أفكر في الهروب من تهديده المحيط بي وجدت نفسي محاصرة بين ذراعيه حيث أقبل علي في لمح البصر مستندا بكفيه على الحائط وأصبحت فعليا أسيرته. التصقت أكثر بالحائط وأدرت رأسي للجانب وأنا أغلق عيناي لأشيح بعيدا عن نظراته التي تمنحني شعورا بالبرودة القاټلة كانت رائحة عطره الذكوري قوية تخترق أنفي وتصيبني بالدوران خنقت شهقة مذعورة حين لفحت أنفاسه الساخنة بشرتي الباردة وهو يهمس بنبرة أقرب للتعهد
حبست أنفاسي بترقب متوقعة حدوث الأسوأ وحاولت أن أحتمي بالغطاء الذي يمنعه من لمسي تقريبا دون أن أجرؤ على فتح عيناي وانتظرت .. لكن خفت حدة العطر وشعرت به يبتعد عني هنا تنفست الصعداء واستدرت ناحيته لأجده يسير بتؤدة في أرجاء الغرفة متابعا حديثه معي
أرى أنك أصبحت بخير.
لن تحظى بشكر مني.
انطلق ضحكة هازئة منه استفزتني قبل أن يبترها ليرد بكلماته الموحية وعيناه مثبتتان على جسدي
لا أريد شكرك أطمع في شيء آخر أهم..
فطنت لما لمح له فنعته بوجه محمر خجلا
قذر.
استهزأ بي مبتسما وهو يغمز لي بطرف عينه
لماذا يتجه عقلك دوما لتلك المسائل...
بدا معتدا بنفسه وصوته مغترا بشكل أربكني أكثر وهو يكمل
هل لأنك ترغبين بي اعترفي!
قال جملته الأخيرة وهو يخترقني بنظراته النافذة كأنه يجردني من ثيابي صحت بعصبية مھددة رافضة تواجده بالقرب مني
أنت وغد اذهب من هنا قبل أن أصرخ وأتسبب لك في ڤضيحة.
لم يأخذ حديثي على محمل الجد فقط رمقني بتلك النظرة القاتمة غير المريحة وقال ببرود متناه
حسنا هذه المرة سأذهب لكن لن أسمح لك بطردي مجددا.
منعت لساني من سبه بصعوبة وأنا في موقف ضعيف إلى أن خرج من الغرفة لأقول بعدها وكل حنق العالم يعتريني
احترق في الچحيم.
على عجالة ارتديت الثوب الفيروزي الذي وجدته على طرف الفراش لا أعرف حقا كيف أحضرته والدتي ولم
أهتم للسؤال فقد كان مناسبا لجسدي بكتف واحد مغطى كان أنيقا وملائما لي كأنه تم تفصيله لأجلي لكنه أيضا كان كافيا لأموه به أفراد التأمين أثناء خروجي فلن يتعرف علي أحدهم لكوني لم أخرج بنفس الثياب التي أتيت بها صففت شعري وتركته منسدلا لأخفي به ملامح وجهي تشجعت وخرجت من الغرفة أسير بخطوات حذرة في الردهة الطويلة بحثت عن الدرج ورأيته في النهاية بالطبع استعنت بمساعدة إحدى الخادمات لأصل إلى حيث يتواجد الحفل.
نظرة سريعة حذرة اختلستها وأنا اختبئ خلف إحدى الشجيرات العالية كان أغلب الحضور في حالة سكر ومشغولين بالرقص والمرح فتشت عن والدتي وخالي لم أجد الأولى ورأيت الأخير يضحك مع مكسيم وابنه الوقح. أما لوكاس فكان يراقص إحدى وصيفات العروس حسنا ذلك أمر جيد لن يدرك أحدهم اختفائي سيظنون أني استريح كنت فقط قلقة على والدتي لكني سألتقي بها لاحقا على أي حال.
تسللت من المكان لأتجه للممر المؤدي لبوابة القصر وهناك نثرت شعري المتحرر على جانب وجهي لأخفيه عن الأمن كما خططت انتصبت خلال سيري حتى لا أبدو مهتزة أمامهم فأثير الريبة دون داع مررت بهم وأنا أدعي انشغالي بالتطلع إلى ما داخل حقيبة يدي الصغيرة والتي حمدا لله لم أفقدها واصلت السير إلى أن خرجت من هذا المكان حابسة لأنفاسي وما إن ابتعدت عنهم حتى ارتخت عضلاتي بالكامل وشعرت أني على وشك الإغماء من فرط حماسي.
حقا لا أصدق نجاحي في الفرار بتلك البساطة الشديدة تراقصت ابتسامات فرحة على محياي حتى نبض قلبي شعرت به ينفجر من قوته داخل ضلوعي تابعت السير المتعجل إلى أن وصلت لطريق السيارات لوحت بيدي لإحدى عربات الأجرة آملة أن أجد واحدة شاغرة قبل أن يستوقفني أحد الرجال المسئولين عن صف السيارات وحدث ما توقعته وجدت أحدهم ينادي من خلفي
آنستي! أتريدين مساعدة
تجاهلت الرد عليه لأهرع نحو السيارة التي توقفت على الجانب الآخر رفعت طرف ثوبي حتى لا أتعثر في خطواتي الراكضة استقريت في المقعد الخلفي وأنا أوجه أوامري للسائق
تحرك من هنا سريعا.
لم أشعر بالاسترخاء إلا والسيارة تبتعد عن القصر عندئذ غصت في المقعد وتنفست بعمق لأثبط من حدة الانفعالات المشبعة بالأدرينالين انتبهت للسائق حين سألني
إلى أين سيدتي
أجبته مبتسمة بسعادة
أي مكان غير هنا!
اعتبر ردي ساذجا فكرر سؤاله بوجه عابس رأيته من انعكاسه في المرآة الأمامية
أين تحديدا
تنحنحت قائلة بحرج
إلى فندق ....
ما حدث بعد ذلك كان ضړبا من الجنون كالمندفعة انطلقت في ردهة استقبال الفندق مستقلة المصعد إلى غرفتنا بالطوابق العليا جمعت أشيائي وأقحمتها عنوة في الحقيبة دون ترتيب كنت أعيد سرد أفكاري المتهورة في رأسي مرة أخرى الذهاب إلى المطار حجز مقعد بالطائرة العائدة إلى روما مهاتفة والدتي لأطمئنها على أحوالي بمجرد جلوسي بداخلها اعتدلت في وقفتي وصفقت بيدي محدثة نفسي عاليا
وأخيرا انتهاء ذلك الکابوس المزعج للأبد لن يتمكن ذلك الوقح من إزعاجي أو إجباري على الزواج به.
بدا كل شيء على ما يرام وأنهيت توضيب أمتعتي في زمن قياسي ثم بدلت ثوبي ببنطال من الجينز وكنزة وردية واسعة وعقدت شعري بأنشوطة صغيرة لأطرحه خلف ظهري كذيل حصان سمعت طرقا على باب الغرفة فظننت أنها خدمة الغرف وفتحته دون أن أتحقق من الطارق لأستدير عائدة إلى حقيبتي لأضع الثوب الجديد بها وتعذر علي إغلاقها بسبب امتلائها. تجمدت في ارتعاب لم أشعر به أبدا كان أشد وطأة عن تلك المرات عندما سمعت صوته القريب يسألني من خلفي
بنبرة أجفلتني وجعلتني أموت ړعبا من حضوره المباغت
أين تظنين نفسك ذاهبة!!!!!
يتبع الفصل الخامس
الفصل الخامس
كنت متوقعة أني على وشك الاستراحة من كم الضغوطات الحرجة المفروضة على شخصي منذ اللحظة التي وطأت فيها هذه المدينة الخانقة لن أنكر أني كدت أتحرق توقا للفكاك من هنا على وجه السرعة لكن ما طمحت إليه أصبح مجرد أوهام عابرة فالأسوأ على ما يبدو ما زال في انتظاري! تخشبت في مكاني كالصنم لهنيهة عندما سمعت صوته الأجش المألوف يجلجل في الغرفة بتحكم باعث على الرهبة والخۏف. تشوش ذهني واضطرب كيف أجمع شجاعة فرت قبل أن أفيق من صدمتي الټفت كالملسوعة لأجد فيجو بطلته المهيبة ونظراته القاسېة يتطلع إلي بشكل جعل قلبي يقصف من شدة ارتياعه.
بذلت كل الجهد لأبدو غير مذعورة وأنا أصيح فيه
هل جننت كيف تأتي إلى هنا
ولأبدو أكثر إقناعا وأقل ظهورا بمظهر الفزع هتفت أهدده بنزق
سأطلب أمن الفندق ليرموك خارجا.
للغرابة لم يحرك ساكنا بقي هادئا في موضعه وظل يطالعني بهذه النظرة الغامضة الجامدة فاندفعت بكل عنفواني نحو الهاتف أطلب الاستقبال بالأسفل صړخت وأنا أستدير برأسي لأحدجه بنظرات ڼارية
أريد الأمن فورا إلى غرفتي هناك من تعدى على خصوصيتي.
لاحت على ثغري بسمة مستفزة متحدية وأنا أضع السماعة في مكانها متوقعة أن يتخذ موقفا عدائيا ضدي لكن سرعان ما اهتزت ابتسامتي لتبدو باهتة مشوهة عندما وجدته لا يبدي أدنى ردة فعل سكونه المريب ضاعف من ړعبي رغم جهدي الجهيد لإظهار العكس. تراجعت عفويا للخلف حين رأيته يهم بالتحرك اتخذت وضعية دفاعية متوقعة بادرة هجوم منه ولدهشتي سار في هدوء واضح تجاه النافذة الزجاجية وهو يضع كفيه في جانبي بنطاله توقف أمامها وراح يتأمل المشهد بالخارج ببرود جعل خۏفي يتبدل للحنق في لمح البصر. ومع ذلك بقيت بالقرب من باب الغرفة متهيأة للفرار في التو.
لن أنكر أن هذه الفكرة الطائشة راودتني وبدأ رأسي يزدحم بعشرات الاقتراحات غير المدروسة كلها تدور في فلك بعينه لما لا أترك كل شيء خلفي وأهرع من هنا يبدو أنه قرأ ما يدور في رأسي من صراع فنطق محذرا دون أن يستدير ناحيتي
لن تفعلي.
خفق قلبي مرة ثانية في توتر كيف استطاع بهذه البساطة أن يعرف ما الذي أخطط له في طيات رأسي انتشلني حضور أفراد الأمن من تخبطي اللحظي فوجدت غرفتي قد امتلأت بهم حيث احتلوا المساحة الفارغة تقريبا حينئذ أحسست بالغرور يغمرني وبالانتشاء يلفني. وجهت ناظري نحو فيجو الذي ما زال يوليني ظهره وعقدت ساعداي أمام صدري في جأش بدأت في استعادته بوجودهم المطمئن. سألني المسئول الأمني في جدية تامة وكامل نظراتي لا تزال مرتكزة على ظهر هذا المزعج
ما الأمر سيدتي
دون أن أحل تشابك ذراعي أجبته وأنا أشير برأسي
هذا الشخص اقتحم خصوصيتي.
بديهيا اعتقدت أن ينتفض المسئول الأمني مع من جاء بهم ناحيته ليلقوه خارج الغرفة بعد تأديبه بما يستحق لكن مجددا تفاجأت به يتأهب في وقفته ليبدو رسميا على غير العادة. حلت علي دهشة لحظية تضاعفت عندما رأيته يبدي احتراما وتوقيرا زائدا وهو يوجه كلامه إلى فيجو
هل هناك مشكلة أيها الرئيس
دمدمت مكررة بتلقائية وفي صدمة بعد سماعي لسؤاله هذا
رئيس!
ببطء استثار أعصابي وجعل شعيرات جلدي تنتصب استدار فيجو ليواجهني وأجاب بشبح ابتسامة مخيفة
أنت في موطني.
تعذر علي في لحظتها استيعاب مقصده فأردف المسئول الأمني موضحا
الرئيس سانتوس هو مالك الفندق...
الټفت نحو المسئول الأمني أتطلع إليه بعينين مفتوحتين على اتساعهما وأنا متأكدة أن انفراجة شفتي المذهولتين ظاهرة