رواية "احفاد الچارحي" الجزء الخامس من الفصل الأول حتي الثالث
انت في الصفحة 1 من 11 صفحات
احفاد الچارحي الجزء الخامس
من الحلقة الاولي حتي الثالثة
أحفاد الچارحي
الفصل الاول
قاطع سكنة الليل المظلم ستار الشمس الزاهي لتجدد مداومة عرش سلطتها ليوم جديد فتدللت أحدى خيوطها لتلامس قبة القصر العتيق فغمرته بدفئها واحتدت في كرمها حتى بات الأمر مزعج لهؤلاء الغافلون بحديقة القصر المفتوحة حول مقاعدهم المحاطة بطاولة تحمل عدد مهول من الأوراق والملفات ولكلا منه حاسوبه الشخصي فضمت الطاولة ثلاث حاسوب أحدهم يخص رائد الذي يحتضنه بنوم وإرهاق جعله لم يشعر بليل أسدل جلبابه الأسود عليه وعلى من يتمدد لجواره فلم يغلبه شبح النوم فحسب بل سيطر على ياسين وأحمد الغافل لجواره بعدما قضوا الليل معا للعمل على صفقة هامة ومعقدة وكل عدي بها رائد وحينما لم يستطيع أن يجد مخرج لما يقابله من معاضل وخيمة لجأ لأبرعهم مكرا واحترافا في عمله ولم تكن ظنونه خاطئة فبعد ساعات طويلة استطاعياسين وأحمد منحه الخيارات المناسبة والحسابات اللازمة لربح تلك الصفقة الصعبة فقضى ليله بأكمله ينصت لتعليماتهما حتى غفاهم صباح موحد للجميع بدأت أشعة الشمس تحتد وخاصة مع اقتراب الهاجرة فقطب أحمد حاجبيه بانزعاج لم يتركه الا حينما استجاب لذلك الأمر الحاسم فبدأ بفتح عينيه تدريجيا وهو يقاوم صداع رأسه وإرهاق جسده لنومة لم تكن بالمريحة بالمرة أخفض ساقيه عن المقعد ثم استقام بجلسته وهو يفرك جبينه بتعب وحينما بدأ بالاستيقاظ هز مقعد من يجاوره وهو يناديه
واستدار بوجهه للاتجاه الاخر وهو يرفع من صوته المنزعج
_رائد.
فتح كلا منهما عينيه بانزعاج فتراجع ياسين بجسده بعيدا عن الطاولة التي ضمھا طوال الليل وخرج صوته الناعس شبه مسموع
_هي الساعة كام دلوقتي
حل أحمد جرفاته عن رقبته بضيق ثم حل ازرر قميصه الأسود ورفع أكمامه وهو يتفحص ساعته الفضية
_تسعة!
نهض رائد باستياء شديد
_يا خبر احنا نمنا هنا ولا أيه!
اتجهت نظرات ياسين الحاړقة لتحيط به أيمتلك الجرءة ليعترض على الوقت الذي كان هو السبب به فدنا منه والأخير يتراجع بارتباك للخلف وخاصة حينما رفع إصبعه وهو يحذره پعنف
رمش بعينيه مطولا وهو يردف بحيرة
_طب وسهرة بليل
كز على أسنانه بغيظ
_حاول تبعد عني النهاردة يا رائد أحسنلك..
تساءل ببراءة مصطنعة
_ليه بس أنا عملتك أيه!
اتجهت نظرات ياسين تجاه أحمد وكأنه يشهده على وقاحة ابن عمه وعاد ليتطلع إليه مجددا ثم صاح بانفعال
_كل يوم نرجع من المقر نص الليل نلاقي واحد فيكم مستنينا بمصېبة والمفروض اننا نحل بلاويه قبل الصبح عشان عدي ميقطعش رقبته أما احنا بقا محدش بيفكر فينا ده أنا بقالي يومين مشوفتش مراتي وابني يا ظالمة!
_خلاص يا ياسين اطلع غير هدومك عشان منتأخرش.
جذبته كلماته الأخيرة عما كان يعتريه فالټفت تجاهه وهو يتساءل بجدية
_نتأخر على أيه!
تغاضى عن نسيانه لحدث هام هكذا رغم أن ذلك يخالف مكنونات شخصه المثالي فما يمر به كلاهما يصعب على العقل البشري تحمله
_أنت ناسي أن النهاردة هنروح مع عدي نراجع على المكينات اللي وصلت في شحنة الصين ولا أيه!
_شايف بيبصلي ازاي يا أحمد
نفث عما بداخله وهو يردد بملل
_فكك من شغل الأطفال ده يا رائد.
وجذب جاكيته هو الأخر ثم ربت على كتفيه وهو يحثه بابتسامة هادئة
_هطلع أغير هدومي أنا كمان وأنت اقعد كمل الملف وأنا هخلي حد من الخدم يعملك قهوتك عشان تشتغل بمزاج.
غمز له بابتسامة ماكرة
_أحبك وأنت فاهمني.
اكتفى بانحناءة رأسه وكأنه يتبعه بطريق مزحه المؤقت قبل أن ينهمك كلا منهما بعمله الشاق فتركه أحمد واتجه للداخل بينما جذب رائد حاسوبه ثم أخذ ينقل البيانات الهامة للملف بتركيز خشية من أن يتم نقل معلومة خاطئة قد تجني على ثماره الذي جناها بالكد والتعب..
تسلل بحذر لغرفته والابتسامة الفاترة لا تغادر شفتيه منذ أن رأى الأنوار تضيئها وكأنها هي الوحيدة التي تواجه اشراقة شمس هذا الصباح فاقترب من الفراش بخطوات حذرة فجلس لجوارها وهو يتأملها بنظرات وجموح المشاعر الدافئة التي يخبأها لها فابتسم رغما عنه وهو يراها تقبض على ريموت الضوء الإلكتروني بين راسغها فمال عليها ياسين ثم حرر الريموت من بين أصابعها ليغلق الضوء الذي تلجأ له زوجته بغيابه يعلم جيدا بأنها لا تخشى الظلام بدونه فقط بل تخشى هفوة رقيق قد ټلمسها وهو ليس بجوارها يعلم بأنه مصدر قوتها وسکينة الطمأنينة ويحب أن يرى تعلقها الشديد به حتى وإن عنادته وفشلت أن تبدي له ذلك فبالنهاية تحمل نفس العصب الذي يجري بعروق أخيها الشرس وأبيها الذي بدى يقلق حيال أمرهما.
أغلق ياسين الضوء ثم خلع قميصه عنه وهو يسرع للخزانة ينقي ما يناسبه حتى يستعد على الوقت المطلوب فجذب أحد الحلى الرسمية الآنيقة ثم وضعها على الأريكة المجاورة له وأسرع لحمام غرفته عل حمام دافئ ينعشه قليلا وحينما انتهى ارتدى الحلى ووقف يصفف شعره القصير بعناية ثم جذب البرفنيوم الخاص به ليضعه على قميصه مستهدفا رقبته.
ألقى على ذاته نظرة أخيرة قبل أن يتجه ليغادر غرفته فتوقف محله حينما وجدها تجلس على الفراش تحدجه بشراسة ويدها مربعة أمام صدرها وشفتيها تتدلل بطفولية عابسة كبح شبح ابتسامة كادت بالظهور على شفتيه وتساءل بجدية اتيعت صوته الرخيم
_مليكة.. أنت صحيتي أمته
أتاه ردها المغتاظ لبروده
_من وقت ما حضرتك اتسحبت وطفيت عليا النور.. قال يعني خاېف عليا وعايزني أنام بعمق مش عشان تعرف تهرب!
ضحك رغما عنه فدنا حتى بات قريبا منها وقال بحنان نبرته الدافئة
_أنا عارف إنك مش بتحبي تنامي في الضلمة بس الشمس منورة الدنيا.
أبعدت الغطاء عنها ونهضت عن الفراش لتكن قبالته مثلما ارادت أن تتبع تلك المعركة التي قادتها صباحا
_وأنت يفرق معاك ليل من نهار أنت حياتك بقت كلها برة القصر وبعيد عني أنا وابنك.
ضم شفتيه معا بقوة كادت بقطعهما فلم يكن بذاك الماكر الذي سيحارب وهو يؤكد لها بأنه لم يخطئ بلى يعلم بأنها أول من يقصر معها ويشعر بالحرج حيال ذلك غلب توقعاتها حينما ظنت بأنه سيحارب اتهاماتها ولكنها وجدته يدنو حتى صار قريبا يقطع المسافة بينهما فجذبها إليه بيده واليد الأخرى تبعد خصلات شعرها البني عن جمال عينيها الذي اشتاق لتأملهما تأهبت عينيها لتموج بين شواطئ خاصته فتدفقت دقاتها تباعا حينما ضم وجهها بين كفه
_أنا عارف يا حبيبتي أني مقصر معاكم وحاولت إمبارح إرجع بدري عن معادي عشان نخرج أنا وانت في مكان خاص بينا بس للأسف رجعت لقيت رائد مستنيني وكان محتاج مساعدتي في حاجة.. أنتي عارفة اني مقدرش أتاخر عنه ولا عن أي حد.. لكن
لو عليا فأنا عايز أفضل عمري كله معاك.. أنا بحس طول ما أنا بعيد عنك اني في غربة ولازم تعرفي أد أيه بكون متعذب عشان أرجع وأشوفك قدامي.. الكام ساعة دول بيخطفوا مني كل حاجة... ابتسامتي.. روحي.. قلبي.. بيخطفوا عمري كله.
واسند جبهته لجبهتها وهو يهمس بعشق
_ أنت ملكتي قلبي ومبقاش ملكي يا مليكة!
ارتعش جسدها الذي أعلن التمرد عليها من شدة قربه وكلماته الخبيرة في السيطرة على أحاسيسها ومشاعرها فلم تستطيع الاعتراض على دفعة عشقه الذي قدمها إليها سمحت له بأن يخترق خصوصياتها تباعا حتى ملكها قلبا وقالبا فلم يبالي لكونه متاخرا شعر وبتلك اللحظة بأنه يود أن يذهب العمل والشركات والمقر للچحيم طرد عناء مهماته الثقيلة خلف شرارة عشقه وجموح رغباته التي ذابت أخر حصون عشقهما المؤجل!
الصباح لا يحلو الا بمزيج رائحة القهوة والشاي الممزوج بالحليب الدسم لإرضاء أذواق الجميع على المائدة التي تجمعهم حرصت دينا وملكعلى تنظيم الطاولة استعدادا لموعد تناول الفطور بالساعة العاشرةصباحا فسبقن بالتجهيزات قبلها بنصف ساعة فوقفت كلا منهن تشرفن على الطعام الذي يتقدم على الطاولة وما يتم تجهيزه بداخل المطبخ كان أحمد بطريقه لغرفته حتى يبدل ملابسه سريعا فانتبه لصوت ملك المتلهف لندائه
_أحمد.
توقف عن صعوده الدرج وعاد ليقف مقابلها وهو يتساءل باهتمام
_حضرتك ندهتيني.
أومأت برأسها وهي تسأله بقلق
_فين ياسين وليه مرجعتوش امبارح مع الشباب
رد عليها بابتسامة لم تفارق وجهها البشوش
_لا رجعنا بعدهم بساعة بس كنا بره بالحديقة بنخلص شوية شغل.
منحته ابتسامة رقيقة وهي تخبره
_طيب يا حبيبي.. اطلع غير هدومك وانزل عشان تفطر معانا.
أومأ برأسه بخفة وهو يتجه للأعلى بعدما أخبر أحد الخدم بتقدم القهوة لمدمنها الذي يترقب لحظة وصولها بالخارج وحينما صعد للدرج وجد من يتابعه من الأعلى وهو يرتب جرفاته بانزعاج أمام المرآة الموضوعة على جانبي الدرج العلوي فما أن صعد تجاهه حتى قال ساخرا
_يا مراحب بابو جميد.. راجع وش الصبح كده ولا همك حد!
ألقى جاكيته وهو يجيبه بتأفف
_مش فايقلك على الصبح يا جاسم.
منحه نظرة متفحصة قبل أن يشير له بشفقة
_روح خدلك شاور كده وحصلني تحت في حاجة عملها أخوك المغفل ولازم تعرفها.
اعتصر وجهه بقبضة يده وهو يتساءل بحدة
_عمل أيه سي زفت!!
بابتسامة واسعة قال
_غير وحصلني.
وكاد بالهبوط للأسفل ولكنه توقف حينما جذبه أحمد وهو يردد باستهزاء
_استنى بس.. أنا تقريبا عشان منمتش كويس بيتهيألي إنك نازل بدري على غير عادتك..
أبعد يده عن جاكيته وعدله بحرص على الا يتلفه ثم قال بهدوء مضحك
_لا أنا بس مليت من دوشة الواد وأمه.. كلوا دماغي على الصبح يا عم.
كبت احمد ضحكاته بصعوبة وهو يتابع من يقترب منهما ويتلصص على مسمع الأخير وإذ فجأة وجد ابنه الصغير موضوع بين يديه وصوت حاد يتلقفه كالصڤعات التي علت رقبته مرة واحدة
_بقى كده.. طيب يا جاسم أنا هوريك.. اتفضل ابنك اهو شوف بقى مين اللي هيربهولك أنا مجتلكش بعيال يا حبيبي.
استدار بالطفل الذي لم يكف عن استهداف وجهه ورقبته بأظافره متعمدا غرسها بلحم وجههفصاح پألم
_آآه....لا يا داليا متسبنيش مع المتوحش ده أنا آسف.
وركض خلفها وهو يناديها بهلع ويبعد عنه الصغير وكأنه يحمل قنبلة مؤقتة
_استني بس يا حبيبتي... ده أنا كنت بهزر وعهد الله بحبك ومقدرش أستغنى عنك.
وأسرع خلفها للأسفل بينما استكمل أحمد طريقه وشفتيه لم تكف عن الضحك حتى أحمر وجهه.
_رحمة.
اړتعبت فور سماعها لصوت المتعصب فحمدت الله مرتين أنها الآن بغرفة أبنائها والا كانت تواجه غضبه الذي لا تعلم سببه إلى الآن وحينما استمعت لصوت ينادي مجددا تركت الباب الفاصل