رواية "مملكة سفيد"(كاملة جميع الفصول)بقلم رحمة نبيل
والله ايه مش شايف الإشارة يا متخلف
استدار سالار بسرعة كالړصاصة صوب المتحدث وقد اشتعلت عيونه بقوة يردد بريبة شديد
هل سبني ذلك الرجل للتو أم أنني اسئت الفهم
أجابه أحد مرشديه قصير القامة منهم والذي كان يسمى صامد يقول بنبرة خفيضة وهو يخشى ڠضب القائد سالار
حسنا سيدي حسب معرفتي بهذا الجانب من العالم فنعم أعتقد أنه سبك للتو
هل سمعتك تسبني للتو
أنت بتتكلم كده ليه يا جدع أنت ! ما تكلمني زي ما بكلمك
قاطعته سيدة من الخلف إذ كان ذلك السائق مالك لسيارة أجرة يقل في الخلف سيدة مع اولادها الصغار فتدخلت السيدة تتحدث ببسمة
ده شكله اجنبي يا اسطا مش شايف ملامحه الأجانب بيتعلموا فصحى مش لهجات
كان سالار يستمع لكل ذلك لكنه لم يهتم وهو يشير للسائق بتحذير وصوت جامد هادئ لا يريد أن يخيف أحد خاصة وأن ملامحه كانت تفي بذلك الغرض دون حديث
أطلق السائق صوتا حانقا من حنجرته وهو يوقف محرك السيارة يهبط منها كي يقف أمام سالار والذي كان يفوقه طولا بالكثير لكن الرجل لم يهتم وهو ينظر في عيون سالار بتحدي
أنت بتقول ايه يا عسل هو أنت يعني عشان سايح هنخاف منك
ده ضخم زي ثور اللي الفيلم
استدار سالار صوب الصغير يرمقه بشړ وقد استاء أن الصبي يشبهه بالثور ولم يكد يتحدث كلمة واحدة وجد صوت بعض السيارات يعلو بسبب تعطيل الطريق .
زفر السائق يلوح بيديه في الهواء
طيب خلصنا وأنت يا عم دي
مش امريكا عشان تتمختر فيها بالشكل ده أنت هنا في مصر
امريكا ما هذا الاسم ! هل هذه دولة مستحدثة
كان يتحدث بجهل يفكر في ذلك الاسم الذي قاله الرجل ففي جميع الكتب التي جمعها أسلافه لم يسبق وذكرت دولة تسمى امريكا كما يقول ذلك الرجل ويبدو أن الرجل التقط حيرته تلك فاشفق عليه ليقول
شكلك كده طينة ومش فاهم حاجة بس يا خواجة أنت اقف على جنب شوف أي ظابط مرور واسئله عن المكان اللي حابب تروحه وهو هيساعدك ربنا معاك
فسالار كان من ذلك النوع وحشا في المعارك مرعبا في الحياة لين القلب مع من يحب ومن يرى منه لينا.
يبحثون في تلك البلاد عن الملكة يسألون البعض احيانا ويستقلون السيارات أحيان أخرى وقد بدأ سالار يفقد هدوءه المستحدث ويشعر بالڠضب الشديد يملئ صدره ..
مسح وجهه يتحرك صوب أحد المقاعد يستقر عليها وهو يدور بنظراته في المكان حوله تنقبض ملامحه لسماع موسيقى صاخبة احيانا وأخرى هادئة بكلمات سيئة بحق البعض تصف مفاتن الحبيبة كما يصفها المغني والأخرى تتغزل في طريقتها وكل هذا جعله يغمض عيونه مستغفرا وقد انتفض جسده يتحرك بعيدا عن تلك النقطة دون أن يبرر لصامد وصمود شيء ...
واخذ يسير بها يبحث عن ركن لا يصل له الشيطان بمعازفه ولا تلحقه تلك الكلمات الفاسدة ولا يدري من أطلق عليهم عالم المفسدين لكنه كان محقا بالله ما رأى يوما مفسدين بقدرهم ليس هنا في هذه البلاد فقط على الأقل هنا يسيرون بثياب لا ينسى تلك البلاد التي رأى الرزائل تمارس على مرأى ومسمع من الجميع بل ويتأملها البعض باستحسان ويصفونها عبثا بالرومانسية .
مشاهد مقززة وحياة فاسدة على الأقل هنا يرى البعض بثياب ساترة والبعض الآخر يسير بمسبحة مشاهد قد تعطيك بعض الأمل بجيل صالح ربما تفعل .....
فجأة توقفت اقدام سالار حينما تناهى لمسامعه صوتا جعل قلبه يرتجف ابتسم يسير خلف ذلك الصوت وفي لحظة أصبح يهرول يهرول خلف اصوات القرآن وكأنه وجد نورا في نهاية نفق مظلم هناك صوت للحق يعلو وسط هدير الباطل .
توقفت أقدامه أمام محل صغير ملئ بالعديد من الأجهزة الغريبة له لكنه لم يهتم يطأ ذلك المكان يتنفس براحة بالله لم يصدق أن أمرا كسماع القرآن والذي كان شيئا معتادا له قد يمثل حاجة ملحة الآن.
السلام عليكم يا عم
استدار رجل كبير في العمر قد بلغت التجاعيد جسده لكن على الرغم من ذلك كان مبتسما بشوشا يسر القلب ..
عليكم السلام يا بني اتفضل
ابتسم له سالار بسمة صادقة حنونة يتحرك صوبه يقول بهدوء
لقد سمعت صوت القرآن يصدر من محلك أثناء تحركي في الخارج واردت المجئ لارى من أين يأتي
نظر له الرجل بعدم فهم لثواني لتطرأ في رأسه فكرة أنه لربما كان سائحا بسبب هيئته ولهجته الغير معتادة بين أبناء شعبه
أنت فاهمني !
نعم افهمك لا تقلق افهم الكثير من حديثكم
ابتسم له الرجل يجذبه صوب أحد المقاعد وقد سعد قلبه لأجل حديث ذلك الرجل ذو الوجه المنير
ده المنشاوي تعرفه ! هو قارئ مصري قديم بس صوته وترتيله جميل اوي أنت... أنت مسلم
ابتسم له سالار يشير برأسه صوب صامد وصمود أن يجلسا بعدما كانا ينتظران أوامره ثم نظر للرجل يقول بصوت هادئ مريح للنفس
الحمدلله الذي هدانا يا عم أنا مسلم ابا عن جد
شعر الرجل بسعادة كبيرة يطلق من فمه دون شعور ماشاء الله . ..
ربت سالار على كفه ثم تساءل بفضول شديد
أخبرني يا عم ما الذي يحدث هنا فمن بين كل تلك المنكرات ما سمعت سوى صوتا واحدا للحق ما بال الجميع في الخارج لا اسمع منهم ذكرا
ابتسم له العجوز يتحرك من المقعد صوب أحد الأجهزة في ركن محله يقول بهدوء شديد
تقدر تقول يا بني أن الباطل مغرياته أكثر من الحق والسييء متزين اكتر من الجيد هتلاقي كده وكده هتلاقي برة اللي ماشي يتمتم مع الاغاني واللي ماشي يردد اذكاره اللي رايح لعمل خير واللي ماشي ناوي شړ مفيش زمن فيه شړ خالص الفكرة إن الباطل بجح وبيعلن عن نفسه وصاحب الحق حيي صامت
ابتسم سالار لحديث ذلك الرجل الذي أراح صدره وقد أعطاه املا أن ملكتهم قد تكون من هؤلاء الذين نفروا الباطل واتبعوا الحق .
فجأة تقدم منه الرجل ومد يده له بمشروب وقال ببسمة وهو يشير لصامد وصمود
خد اشرب يا بني واقعد
زي ما تحب هنا المكان مكانك
ابتسم له سالار يتقبل منه ذلك الكوب وقد تقدم صامد وصمود بلهفة لتجربة ذلك المشروب وجلسا جوار سالار الذي ارتشف منه بتلذذ يسمي الله
أخبرني يا عم ما هذه الآلات الغريبة التي تقوم ببيعها
نظر الرجل حوله ثم قال ببسمة
دي انتيكات يا ابني حاجات قديمة يعني راديو وأجهزة تليفون قرص وكتب قديمة وغيرهم
ختم حديثه يتحرك صوب أحد الارفف يحضر شيئا ما ثم عاد له يمد يده بساعة تبدو قديمة الطراز
خد دي تذكار من المحل عشان تبقى ترجع تاني
رفع سالار نظره للرجل الذي كان مبتسما ليشعر بألفة غريبة جعلته يقول ببسمة
لا اعتقد أنني قد اعود يوما يا عم
متقولش كده اللي جه مصر في يوم مسيره يرجع ليها يا بني هيجي اليوم وتحن وترجع ليها
هز سالار رأسه بتقبل منه تلك الساعة التي كانت غريبة عليه لكنه لم يقل الكثير يدسها داخل طيب بنطاله
ربما ...طالما أن تلك البلاد تمتلك من هم مثلك فربما اعود يا عم ربما يوما ما
ختم حديثه يدس يده في جيبه الآخر يخرج سرة من العملات الذهبية و وضعها على المكتب دون أن ينتبه له الرجل الذي كان يعطيه ظهره وهو يتحدث بخفوت
البلد دي يابني والله فيها ناس كتير طيبة وعلى نياتهم ومن كلمة يبتسموا وكلمة تانية يزعلوا شعب طيب والله
ربت سالار على كتفه
نعم يا حاج أنتم كذلك والان استأذنك علي الرحيل للبحث عن ضالتي
باذن الله تلاقي اللي بتدور عليه
غادر سالار ومن معه تاركا الرجل يبتسم لهم ثم عاد ليحمل اكواب الشاي الفارغة لكن فجأة توقفت أنظاره حينما أبصر كيس قماشي غريب جعله يحدق فيه بريبة امسك الكيس بعدم فهم ليشعر باهتزاز شيء فيه فتحه بفضول ليبصر العديد من العملات الذهبية التي جعلت عيونه تتسع وينظر للباب پصدمة كبيرة فاغر الفاه ...
______________________
وسالار ابتسم ييير في المكان براحة شديدة وقد ذهب عنه الضيق وكأن سماعه لآيات القرآن أعطاه طاقة أمل كبيرة .
وهكذا قضى نهار آخر يدور وسط البلاد قبل أن يأخذه صامد وصمود صوب أحد الأماكن التي تسمى فنادق وبات ليلته هناك وهو يهمس لنفسه بتعب
أين سأجد تلك الملكة اشتقت لحياتي وجيشي
________________
وعلى الجانب الآخر..
كانت تبارك تقف في نافذة أحد الممرات في المشفى إذ كانت تلك الليلة قد حصلت على ساعات عمل إضافية في المساء اضطرتها للمبيت داخل جدران المشفى ابتلعت ريقها وهي تتذكر أنه من بعد ذلك اليوم الذي تحدثت فيه لعلي لم تره اختفى وقيل أنه سافر لاقاربه..
حاولت أن تتناسى كل ذلك وتشرد بالسماء علها تهدأ بعض الشيء لكن فجأة سمعت صوتا خلفها ينادي باسمها
تبارك يلا عشان فيه عمليات والدكتور طالبك معاه
تحركت من مكانها تتنفس بصوت مرهق وهي تهمس
يارب يا معين الڤرج من عندك يا رب
_________________
صباح اليوم التالي وبعد سير طويل ارتكن الثلاثة صوب أحد المقاعد التي تقبع في الطريق صامد وصمود يرتاحان بينما سالار يفحص الكرة وهو يهمس بصوت هادئ لا حياة فيه فلا تدري أساخطا كان أم غاضبا
أقسم أن خوض حرب لأيام طوال مع المنبوذين أكثر سهولة مما أفعل الآن أين سأجد الملكة في هذه البلاد الضخمة! اشعر أنني ابحث عن إبرة في كومة قش
فجأة وأثناء حديثه ذلك سمع صوت صمود يقول مقترحا بصوت منخفض لصامد
لم لا نعود للمملكة ونخبرهم أننا عجزنا عن إيجاد الملكة !
أجابه صامد بحنق
وهل تعتقد أن القائد سيعترف بالهزيمة في مهمة وكلت له أنت تحلم
نظر صمود لصامد يميل عليه أكثر فقد كان يفوقه طولا بشكل مبالغ به
إذن نعود وحدنا ونخبرهم أننا فقدنا أثره هنا أو ربما نخدره ونسحبه بالقوة صوب المملكة
ابتسم صامد بسمة خبيثة وقد أعجبته تلك الأفكار فهو مل حقا كل ذلك نظر حوله يهمس له بالمقابل
ونصبح