رواية "مملكة سفيد"(كاملة جميع الفصول)بقلم رحمة نبيل
منين أنا لصفط اللبن دلوقتي
وكانت الإجابة هي ارتفاع اصوات الحيوانات في الغابة خلفها لتشعر تبارك بالړعب يتلبس جسدها ابتلعت ريقها تستدير پخوف للخلف
يا قائد ...يا قائد
تأففه يعلو كل ثانية خمس مرات أو أكثر لا يطيق وجودهم داخل مكتبته العزيزة أو بالأحرى هو لا يطيق وجود أي
كائن حي داخل مكتبته..
أردف تميم بهدوء شديد وهو يحمل بين يديه ورقة وقلم يحاول أن يتذكر جميع مكونات البارود ليعيد نفس التجربة بشكل أفضل بينما جواره يجلس دانيار الذي عاد لتوه من الخارج.
ابتسم العريف يتحسس بومته الخاصة ثم قال
نعم صدقت أنا لا أحب وجودكم داخل مكتبتي أو في محيطي الخاص بل ...أنا لا احبكم بتاتا
وكذلك نحن لا نحبك لكن هل وجدتنا نشكو ذلك لا صحيح إذن اسمعنا صوت هدوئك .
ارتفعت أصوات من البومة التي تعلو كتف العريف وكأنها تعترض تماما على كلمات دانيار ليبتسم لها دانيار حاملا السهام الخاصة به يوجه سهما صوبها قائلا
وكأن البومة قد فهمت ما يريد إذ تراجعت مرة أخرى بخنوع على كتف العريف تصمت بينما العريف قال
بالله ما الذي يجبرني على تحمل وجودكم هنا ! ألا يكفيني مرجان بكل حماقاته وضوضائه
رفع مرجان والذي كان يجلس ارضا بين العديد من الكتب رأسه قائلا بعدم فهم
تجاهله العريف يكمل
ارجو أن يتم الانتهاء من المعمل قبل عودة سالار فلن أتحمل أن يأتي هو الآخر لمكتبتي العزيزة فتملئ أصواته الصاخبة جدرانها الحساسة
قال تميم بجدية بعدما رفع رأسه عن الاوراق أمامه
صحيح على ذكر سالار ألا تعلم متى سيعود ! مرت اسابيع منذ غادر لذلك العالم المخيف
عسى ألا يفعل لقد سئمت منكم حقا ومن قائدكم ذلك صرت أترقب الحروب بفارغ الصبر فهي ما يبعدكم عني
وعلى ذكر الحړب شرد دانيار يقول بصوت خاڤت
إذن أيها العريف من برأيك قد يساعد المنبوذين لدخول مشكى أنت لمحت أن الأمر لم يكن محض صدفة هل تعلم شيئا لا نعلمه !
وبعد صمت لدقائق قال العريف بنبرة غامضة أبعد ما تكون عن نبرته الحانقة والمتهكمة والكارهه يقول بصوت أجش خاڤت وهو يحمل كتاب ويسير صوبهم بتؤدة
أحيانا لكي تسير مركبك المحطمة عليك بأخذ شراع غيرك ولتفعل ذلك تحتاج لمساعدة ممن يحترفون الأخذ والسړقة ...
صمت ثواني ثم قال بخبث
كالقراصنة مثلا
وها هو ذلك العجوز يعود لالغازه التي تخفي خلفها حقائق مخيفة حقائق يستغرقون ربما أشهر طويلة لحلها فقط لأن العريف يحب لعب دور مقدم الفوازير ويهوى فقرة السحر والالغاز .
كان تميم ينظر له ببلاهة وفم مفتوح يحاول أن يفهم ما يقصد العريف وفي النهاية قال وهو ينفخ بغيظ
أنت أيها العجوز الخرف لو أنك قلت كلماتك دون الغازك الغبية تلك ستصيبك لعڼة! هل هناك من يهددك لعدم كشف الحقيقة
شاركه دانيار الغيظ والڠضب لتلك اللعبة التي يخوضها معهم العريف
كانت نصف مشاكل المملكة لتنتهي في وقتها لو أنك أخبرتنا بما تعلم دون لعب دور الغامض الذي لا يليق بك صدقني أنت بهيئتك المخيفة تلك أبعد ما يكون عن الخبث والغموض هيئتك تصلح لتكون مشعوذ
ابتسم العريف بسمة جانبية يقترب من دانيار فجأة بشكل جعل الاخير يتراجع بنصف جسده العلوي پصدمة لكن العريف ابتسم بسمة جانبية يقول
وأين التشويق يا فتى أين الغموض لولا الغموض لأصبحت جميع القصص بلا لون ولاضحت جميع الحكايات بسيطة لدرجة الممل
صمت ثم ابتسم بسمة مخيفة يهمس بصوت كالفحيح
تماما كقصتك دانيار لو أنك أدركت من البداية أن لا مفر لك من الوقوع في قبضة القراصنة وأن ما يحوم حولك هو ما تنفر منه لانتهت قصتك قبل بدئها لنبذت قدرك المحتوم لكنه القدر يا فتى كتب عليك وانتهى
ابتعد عن دانيار الذي كان وجهه لا يفسر وفي رأسه تدور كلمات العريف والذي يدرك جيدا أنه يعني كل كلمة يقصدها ذلك الرجل ليس ساحرا أو مشعوذا لكنه كان من هؤلاء الأشخاص الذي يرون رؤى وتتحقق بمشيئة الله ..
نظر العريف بطرف عينه لتميم الذي تراجع بمقعده للخلف ونظر له بريبة كبيرة يضيق عيونه
إياك سمعت إياك وقول كلمة أيها العجوز فأنت لم يسبق لك وبشرتني بخبر مفرح طوال الوقت تنبأني بمصائب
ابتسم له العريف يقول
لا تقلق مصيبتك أهون من مصېبة رفيقك أو ربما لا تكون من يدري
همس له تميم بقلق
الله
يريحني منك يا عجوز يا جالب المصائب
استقام العريف ثم تحرك بعيدا عنهم وهو يردد بصوت مرتفع يرفع يده في الهواء وضحكات عالية ترن في المكان
كله مقدر ...كله مقدر وسيحدث رغم انوفكم أجمعين
أخرج دانيار سهما يضعه داخل القوس وهو ينظر لظهر العريف بشړ وقد شعر برغبة عارمة في قټله يهمس بغل وڠضب
سأقتله لهذا الحقېر النحس
لكن تميم قفز عليه يجذب يده بعيدا عن العريف يحاول منعه من قټله ودانيار ينظر له پغضب وكلماته ما تزال ترن في أذنه..
لكن العريف لم يكن يهتم لشيء وهو يردد بلا توقف يختفي داخل المكتبة ومن بين ضحكاته
لا شيء أكيد ولا شيء حتمي لكن الأكيد والحتمي هو أن مصير مملكتنا على وشك أن يتغير كليا ومستقبل سفيد على اعتاب التحول وكل ذلك سيكون على يده هو هو فقط من سيفعل سيفعل ويغيرها ويغير خارطة هذا العالم .......
___________________
قاعة كبيرة تتميز باللون الاسود العديد من المقاعد ترتص على جانبي القاعة وفي المنتصف ممر كبير فارغ إلا من سجاد ثمين باللون الاحمر ...
وفي المقدمة يقبع عرش ضخم مرصع بكل الاحجار الكريمة ذات اللون الاسود وعليه يجلس رجل بجسد ضخم وملامح شرسة ونصف وجه مشوه بالكامل وأيدي مليئة بالچروح والتشققات وكأنها تخبرك عن مدى الكفاح الذي خاضه ذلك الرجل ليصل لعرشه لكن أحيانا تخدعك الادلة وتضللك الحقائق فتلك الچروح ليست نتيجة كفاحه بل نتيجة بطشه وجبروته تلك الخدوش والتشوهات شاهد عيان على كل الفساد الذي عاثه ذلك الرجل خلال سنوات عمره السبع والثلاثين ...
ارتسمت بسمة على وجهه المقيت والمقزز وهو يراقب تمايل إحدى نساءه الكثيرات امامه وأمام أعوانه تتمايل على موسيقى صاخبة بكل فجور وكأن لا غد ولا مۏت .
تحرك خصرها الواضح من ثوبها المكشوف يمينا ويسارا فقط كي تنال شرف إعجاب ذلك الطاغية بافل والذي ڼصب نفسه قائدا ورئيسا للمنبوذين منصبا أخذه وراثة من والده بعد مقتله على يد إحدى زوجاته الكثيرات ..
وحينما انتهت رقصة تلك الفتاة مالت تحيي جميع الرجال في القاعة ثم نظرت لبافل تنتظر منه إشارة رضى واحدة لكنه فقط ابتسم يشير لها أن تتحرك بعيدا.
علت الخيبة وجهها وشعرت بالحسړة وهي تتحرك خارج قاعة القصر بالطبع ليس قصر بافل أو رجاله فهم كانوا ومازالوا جماعة من الخنازير البرية لا مسكن لهم سوى الوحل ولا طعام لهم سوى القمامة لكن تدور الحياة ويحصل هؤلاء الخنازير على مسكن لهم لا حق لهم به ولا علاقة لهم فيه ...
هم فقط ذهبوا وجلسوا داخل ذلك المسكن ثم اشهروا أسلحتهم بكل تبجح في وجه قاطينه فقد كان ذلك القصر الشاهق هو نفسه قصر مشكى الذي نهبه بافل مع جماعته بعدما هدر دماء جميع العائلة الملكية وفرض سيطرته على المكان بالقوة .
إذن سيدي ما الخطوة القادمة
سؤال جيد كان ينتظره بافل ما الخطوة القادمة يا ترى وبأي مملكة يبدأ سفيد أم سنز أم آبى
ابتسم بسمة جانبية يقول بصوت هادئ مرعب
الخطوة القادمة هي الاستمتاع بلحظات النصر الاستمتاع قبل العودة لساحة المعركة مرة أخرى لا بد أن خبر سقوط مشكى وصل لجميع الممالك وهم الآن يفكرون في طريقة لرجوع المملكة مرة أخرى
نظر الرجال لبعضهم البعض قبل أن يتساءل أحدهم
إذن هل نبدأ بتجهيز الجيوش
بل ابدأ بتجهيز الاحتفالات يا عزيزي نحن سنقيم احتفالا في مملكتي لتنصيب نفسي قائدا وملكا عليها
لم يفهم أحد ما يفكر به بافل ولن يفعلوا لكنهم يثقون بعقله وبأنه سيقودهم للنصر يوما ما .
لذلك صمتوا وبدأوا يفكرون بطموح كبير أن القادم سيكون لهم وأن القدر سيكون حليفهم ...
________________________
تسير وهي تتمسك بأحزمة حقيبتها تنفخ بسخرية شديدة مما يحدث في حياتها العجيبة المريبة تلك يظنها ستخاف تلك الأمور الغريبة حولها وتخشى ذلك الظلام الدامس وتلك الغابة المخيفة وترتعد لسماعها تلك الأصوات المرعبة ! وتركض له تستغيث به منهم
نفخت بسخرية لاذعة على تلك الأفكار الغبية وهي تنظر لظهر سالار وتردد بتسائل
هو احنا قدامنا قد ايه ونوصل
أمسكت حقيبة ظهرها بقوة وهي تركض خلف سالار الذي كانت خطواته سريعة وواسعة وخاصة باقدامه الطويلة تلك...
هي الآن تسير مع الثلاثة بين الادغال كما في الأفلام الأجنبية تتحرك بحذر مخافة أن يلتف ثعبان على قدمها دون شعورها أو أن يهبط صقر أعلى رأسها أو أن يهجم عليها أحد الحيوانات المفترسة من خلف الأشجار هي تعلم كل الالاعيب تلك .
نظر لها سالار ثواني قبل أن يعود للنظر أمامه قائلا بجدية
لقد تخطيتها في طريق الذهاب في يوم وبضعة ساعات لكن معك لا أدري ربما اسابيع أو شهور إن كنا محظوظين سنصل قبل أن أبلغ الاربعين من عمري
هانت يعني أنت كام يوم وتتم الاربعين
نظر لها يجيب ببسمة صغيرة
ساخرة مستفزة
ليس كثيرا ربما سبع سنوات تقريبا
نظرت تبارك لظهره وهي تحسب بكل جدية ما ستستغرقه الرحلة وتوقفت فجأة متسعة الأعين
س..سبع سنوات ليه بنلف طريق رأس الرجاء الصالح ولا ايه ده لو هنلفه زحف مش هياخد مننا سبع سنوات
كانت تتحدث وهي تركض خلفه بسرعة كبيرة تتمسك بحقيبتها وفي الامام يسير صامد وصمود بحذر لتبين ما قد يعيق رحلتهما..
وسالار يسير وهو ينظر حوله بأعين حادة يتجاهل كلماتها وثرثرتها هو ليس من ذلك النوع الذي يتحدث كثيرا وإذا تحدث لا يطيل الحديث وإذا فعل واطال فسيندم ذلك الذي اضطره للخروج عن صمته ليس معنى ذلك أنه شخص انطوائي لا يحب التحدث هو يحب التحدث كثيرا لكن باستخدام سيفه ويده ..
سالار يضمر عكس ما يخفي داخله شخص مبتسم حنون و عفوي لكن ذلك الشخص لا يظهر سوى في سهراته القليلة مع رفاقه وجيشه قليلا ...
ابتسمت تبارك وهي تركض