رواية "مملكة سفيد"(كاملة جميع الفصول)بقلم رحمة نبيل
ولم يتأخر في ذلك إذ قال
افتحوا الابواب
تنفس سالار بصوت مرتفع ثم أشار بإصبعه لدانيار الذي تقدم ينتزع شقيق بافل عن الأرض يجره صوب الخلف وما هي إلا دقيقة وارتفع صوت فتح اقفال بوابات مشكى أمام جيش سالار وهذه المرة لم تكن زيارة ودية كالمعتاد بل كانت زيارة على صفيح ساخن .
نظر سالار لما خلف الأبواب بأعين متفحصة فاشخاص كبافل ورجاله ليسوا ذلك النوع الذي قد تأمن غدره وبعدما تيقن أن لا خدعة أو غيره تقدم سالار جيشه مرفوع الرأس وخلفه الجميع .
اتركوا أخي وارحلوا بهدوء ولن نمسكم بسوء
أطلق سالار ضحكة صاخبة ساخرة جعلت أعين البعض تتسع بينما هو توقف يقول بهدوء
وهل ترانا تكبدنا عناء المجئ هنا وجهزنا كل تلك القوافل فقط لڼزف لك شقيقك الصغير ! هيا بافل أنت اذكى من هذا حسب اعتقادي
قال سالار بصوت قوي جاد
للمرة الثانية سأصحح لك خطأك وأخبرك أنني القائد سالار وما أريده انتزعه لا اطلبه لذا فالسؤال الحقيقي هو ما الذي ستفعله قائد سالار
ابتسم له بافل بسمة جانبية
وما الذي ستفعله قائد سالار !
جئنا بهدية من سفيد لشعب مشكى هناك قوافل ستتوزع على الجميع هنا
ومن سيمنع تلك القوافل من المرور ! فحسب معرفتي أن ملك هذه البلاد توفاه الله لذا نحن سندخل ونوزع ما نريد على شعب مشكى وأنت لن تتفوه بكلمة أو تعترض طريق الرجال أو حتى تفكر في نزع كسرة خبز من يد طفل من أطفال مشكى
رمقه بافل بأعين ضيقة وقد شعر بالڠضب يستحوذ على كامل أرجاء جسده
رفع سالار رأسه يهتف بين رجاله دون أن يتردد لحظة
وإلا فلتجهز كفن شقيقك العزيز.
كان الحوار الدائر بين سالار وبافل ما هو إلا ستار لتتم باقي خطة سالار التي وضعها مع الملك إذ خرج من بين قافلته عدد من الرجال بثياب العامة وتحركوا داخل البلاد والأسواق بكل هدوء وانغمسوا بين شعب مشكى وذابوا فيهم وكأنهم منهم .
كل ذلك وبافل لا يشغل باله سوى بسالار وشقيقه .
وبعد نظرات متبادلة بين الجميع قال بافل بأعين غامضة يظهر خضوعا وهميا لهم ونظرات لينة وحديث مسالم كان لينجح في خداع سالار لولا مئات المعارك التي خاضها ضدهم
ابتسم سالار بسمة جانبية يردد بسخرية يدحض بجميع حججه للأرض السابعة
وشعب مشكى الأعزل
نحن لم نمسهم بسوء ولم نؤذهم أو نرفع عليهم إلا حينما هاجمونا هم كانوا هم من بدأوا بعدما
قررنا أن نتعايش في سلام معا وجدتهم يحتشدون محطمين فقاعة السلام
أي سلام هذا وأنت من سلبت أرضهم بافل !
بل ارضي وارض أجدادي أنا انحدر من مشكى وهذه مملكتي وحقي أنا وشعبي أم نسيت
الاصرار في عيونه والكلمات التي انبثقت منه كانت مرعبة وبحق مرعب أن يكون لص كبافل مقتنع تمام الاقتناع أن تلك البلاد هي بلاده وبلاد أجداده بعدما نبذوها هم قديما وفروا منهم هاربين لم يتحدث سالار بكلمة ولم يناقشهم فامثاله لا نقاش له معهم ولا مودة تجمعهم.
هز رأسه هزة صغيرة ثم قال بصوت مرتفع
تأكدوا أن تصل الغلال والأطعمة لكل فم في مشكى يا رجال ...
أطلق رجاله صيحات مرتفعة مستجيبة وهم يندفعون بسرعة مخيفة داخل البلاد وبافل يراقبهم بأعينه مبتسما بسمة تظهر رضى غريب على ملامحه رضى يدرك سالار أنه يخفي خلفه أمواج عاتية من الڠضب فبافل ليس بالمسكين الذي يفعل ما لا يحب مجبرا وإن كان سمح لهم الآن بتنفيذ ما يرغبون فهو الآن لا بد وأنه يفكر في عقله لضربات يرد بها ما حدث وسالار ابتسم له بسمة أخرى تشبه خاصته لكنها كانت ابعد ما يكون عن الرضى .
وما بين هذه البسمة وتلك اندلعت شرارة صغيرة تتحرك في طريقها صوب كومة قش لتشعل بها حروبا بين الجانبين.
_________________________
في المساء وداخل حديقة القصر وبعد الانتهاء من تناول العشاء كان يجلس معها بهدوء مبتسما وقد انتهى لتوه من اخبارها بعض الأمور التي قد تفيدها في حكم البلاد .
إذن أرى أنك تمتلكين خبرة لا بأس بها في التفكير الإداري
ابتسمت له تبارك ثواني قبل أن تطلق ضحكة صغيرة تقول بجدية
أنا مصرية مولاي حيث الجميع خبراء حروب وإدارة حسنا لأكون صادقة معك نحن نعرف كل شيء في هذه الحياة لا تجد مصريا يخبرك أنه لا يعلم شيئا بل سيسارع ليخرج لك بإجابة
ختمت حديثها بضحكة خاڤتة ثم أضافت بجدية
للحق نحن لسنا بذلك الشعب الذي يعيش يومه ليستيقظ ويحيا غيره بل على مدار اليوم نعاصر من الاخبار ما يكسبنا خبرات كبيرة بل ونسارع لتحليلها دون أن يطلب منا
ابتسم لها إيفان بتقدير ولم يدرك المعاني التي تخفيها كلمات تبارك البسيطة
حسنا أنا معجب كبير الآن لكم مولاتي
ابتسمت تبارك بخجل كبير تنظر ارضا ثم رفعت عيونها تتنفس بصوت مرتفع وهي تقول
هل تظن أن الجيش نجح فيما ذهب لأجله !
نظر لها إيفان ثواني بتفكير قبل أن يدرك ما ترمي إليه
اطمئني مولاتي أنا أثق أنهم الآن في طريقهم للعودة منتصرين أنا لم ارسل جميع قادة جيوشي لأجل لا شيء
ابتسمت له تبارك تدرك ثقته الكبيرة في قادة جيوشه تتمنى الآن في نفسها أن يا ليت لو كان وكان ...
فجأة سمعت صوت إيفان يردد بجدية
إذن مولاتي أنا لم تسنح لي الفرصة لاعتذر منك عما حدث صبيحة اليوم من والدتي و...
لا لا ارجوك لا تعتذر صدقني لم يحدث شيء يستحق اعتذارك مولاي والدتك لم تخطأ بشيء
تنهد إيفان بتعب شديد يفرك وجهه وعيونه تتحرك في المكان بأكمله يفكر في القادم والذي لأول مرة يجهل كيف سيكون لطالما كان هو المتحكم الاول في مجرى حياته لكن الآن أصبح متفرج فقط يشاهد حياته تسير دون أن يتمكن من التحكم بها .
أمي امرأة حازمة بعض الشيء لكنها تظل والدتي التي ساندتني حين أمسكت حكم البلاد في مراهقتي
ابتسمت له تبارك ولم تعلق بكلمة فهي لم تعش يوما أو تجرب كيف تكون الأم لذا لا يحق لها الاعتراض عما يصدر من تلك المرأة تنهدت وهي تتحدث بجدية متسائلة
حكمت البلاد وأنت مراهق !
ابتسم لها يهز رأسه
صحيح وقتها حتى تاج والدي كان أكبر من رأسي سمعت كلمات مترامية حولي ساخرة أن العرش والتاج اكبر من مجرد مراهق في الخامسة عشر من عمره وقتها كان الوحيد الذي ساندني دون والدتي هو سالار كان جنديا في جيش والدي في الثامنة عشر من عمره وقد كان رفيقي منذ الطفولة أنا وسالار و... أرسلان
ويبدو أن الاسم الاخير يحمل للملك ذكريات ليست بالسارة أبدا فحين ذكر اسمه تغضنت ملامح إيفان واسودت بقوة وقد تعكر مزاجه مما جعل تبارك تتلاشى الحديث له وتصمت تقدر لحظاته مع نفسه .
وإيفان لم يكن يعي لكل ذلك وهو لأول مرة ينطق اسم رفيقه منذ سنوات فدائما ما كان يشير له بملك مشكى أو الملك فقط متجنبا ذكر اسم أرسلان لكن في لحظة انتفض جسد إيفان يقول دون مقدمات
اعذريني مولاتي هناك أمر هام علي رؤيته
ختم حديثه يشير لأحد الجنود يقول بجدية كبيرة
رافق الملكة حيث تريد وتأكد أن أمورها بخير
هزت له تبارك رأسها تراه يرحل بسرعة كبيرة من
أمامها وهي متسعة الأعين لا تفهم ما حدث أرادت أن تبتعد بالحديث عن والدته كي لا تتألم هي فدفعته بالخطأ صوب منطقة تؤلمه هو كما يبدو أرسلان ...من هذا أرسلان هي سمعت اسمه سابقا لكن أين
سمعت تبارك صوت الحارس جوارها يقول بصوت منخفض
مولاتي هل تريدين الذهاب لحجرتك أم تفضلين البقاء هنا !
نظرت له تبارك تشعر بالحيرة هي لا تريد العودة في هذه اللحظة صوب حجرتها وتظل بها وحدها لذا قررت أن تستغل الفراغ الذي تحيا به وقالت
ما رأيك أن تأخذني للمشفى أود الحديث مع الطبيب هناك !!
ورغم صدمة الحارس من الأمر إلا أن أوامر الملك كانت أن يأخذ الملكة حيث تريد وهو فقط هز رأسه بطاعة كبيرة يتحرك معها صوب المشفى ......
______________________
خلع ثيابه يلقيها في سلة الثياب التي تقبع في ركن حجرة الملابس تنفس بصوت مرتفع وهو يتحرك صوب نافذة حجرته ينظر لجميع أرجاء مملكته يمنح لنفسه أخيرا فرصة ليرثي ذاته يعطي ذاته الفرصة ليرثي صداقة استمرت سنوات وسنوات وحطمتها فتنة .
عند هذه الفكرة سقطت دمعة غادرة من عيون إيفان وهو يراقب بأعين ضبابية المملكة أمامه يهمس بصوت موجوع
هكذا كنت دائما أرسلان قليل الصبر ومتسرع لم تصبر حتى اسامحك ونتصالح رحلت قبل أن اضمك للمرة الأخيرة كنت متكبرا عنيدا كما عهدتك تكبرت عن الاعتراف بخطأك وعاندت قدرك رحلت أبيا يا صديقي
ودون أن يشعر سقطت دموع إيفان أكثر يهمس من بين أسنانه والنيران المشټعلة داخل صدره تزيد من حدة دموعه
والله لانتقمن لك بيدي أرسلان سأنتقم لأجلك ولأجل شعبك لن تنساك مشكى ولا سفيد سأحيي ذكراك يا أخي غدا ننتصر لأجلك وسيعلم الجميع أنهم إن قتلوا أرسلان فهو حي داخلنا
ختم حديثه ينهار ارضا سامحا لنفسه وأخيرا بلحظة رثاء مصاپ إيفان بارسلان كان أكبر من مصاپ سالار بارسلان فسالار رغم العداء الذي نشب بين الاثنين إلا أنه لم يكن يهتم به ويود أرسلان ويراه وكانت آخر زيارة له قبل سقوط مشكى باسبوع تقريبا بينما إيفان حرم منذ سنوات من رؤية صديقه لأجل تعنت أرسلان وعناده وتكبره .
اغمض عيونه والۏجع يأكل صدره ودموعه تزداد وهو بډفن وجهه بين كفيه وكأنه استوعب للتو أن أرسلان لم يعد له وجود .
كتم شهقاته بصعوبة وعقله يعيد عليه لقطات بعيدة لهما سويا في فترة شبابهما لقطات حاكت وجعه الآن كما لو كان يشعر بمستقبله .....
أنت أكثر إنسان متكبر في هذه الحياة أرسلان يوما ما سأدفن أنفك هذه بالوحل
هز أرسلان كتفه دون اهتمام
لا بأس وقتها سأدفن انفك جواري لتشاركني نفس الوحل
اغتاظ إيفان وشعر بالڠضب يملئ صدره وهو يركض پعنف صوب أرسلان صارخا يندفع بجسديهما ارضا وقد تمرغ الاثنان بوحل الساحة التي يتدربان بها بعد ليلة مطيرة الاثنان يتشاجران وېصرخان