رواية ميراث الندم (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم أمل نصر
اليمين وتباتي من الليلة في بيت أبوكي
برقت عينيها ذات اللون العسلي پصدمة ما زالت لا تستوعبها أو أنها تكذب أذنها لكن غازي لم يعطيها فرصة الأستفسار صړخ بصوت اهتزت له الجدران
اخلصي حالا غوري من وشي ونفذي اللي بجوله
على الفور تحركت قدميها اليا لتنفذ أمره قبل أن يفتك بها
وفي مكان آخر
وقد توقفت السيارة النصف نقل ليترجل منها الرجل الخمسيني يسعل بحشرجة وهو يجاهد للإستقامة في وقفته وعدم الترنح سحب عدة انفاث سريعة من سيجارته قبل أن يدعسها تحت حذائه وهم للتحرك ولكنه توقف قليلا وعيناه تقيم المنزل الكبير
ما زال عصيا على الزمن ويحتفظ ببهائه رغم مرور اكثر من نصف قرن على بناءه شامخ بإباء رغم شيخوخته عنيد صلف كصاحبه وكأنه ارتوى بطباعه من وقت أن قام ببناءه
بموقعه الاستراتيجي في سط البلدة وقربه للطريق العام بها مما يجعله محط انظار المارة في الذهاب والإياب ومطمع لكل من يملك المال
تمتم بداخله بتمني بعد تذكره لاخر مبلغ عرض عليه في مقابل بيعه
بعد أن أقبض ثمنك الذي سيرفعني ويعلي بقدري أمام الجميع وليعطيني الله الصبر حتى وقتها أو يجعله قريبا اللهم امين
فايز ولدي! كدة على وش الصبح كمان جرا حاجة في الدنيا ولا ايه
اقترب يضع خفيفة وجنتها
قبل أن يتمتم كلماته بنزق
طب سلمي الأول ولا ردي الصباح وبعدها اتمسخري براحتك
تطلعت عينيها للخلف بفضول لتردف مصححة
قلب عيناه بسأم ليتحرك للداخل مرددا بتأفف
انا مش جاي من مخي ياما عشان اعمل حساب مرتي والعيال معايا جوزك هو اللي طلبني امبارح ع التليفون وطلبني أحضر عاجل في أمر هام ع العموم لو مشتجالهم جوي يعني انا ممكن اتصل يحضروا حالا
بس اخاڤ لترجعي في كلامك لتزعلي المحروسة التانية وانتي مش حمل جلبة بوزها
قبضت سکينة على حزن قلبها مما يفعله ابنها من ظلم في حق زوجته الأولى ابنة عمه سليلة الحسب والنسب تربية يدها يتيمة الأبوين وولدها زينة شباب كفرهم بسيرته الحسنة واخلاقه الكريمة التي يشهد على حسنها القاصي والداني من أجل هذه المرأة التي لفت عقله بدهائها وميوعتها لتجعله كالخاتم في إصبعها فقالت بتماسك زائف اظهر ضيقها
اومأ رأسه لها بعدم اكترات لا يلقي لكلماتها اهتمام ولا حتى بغصة الۏجع التي تجلت في نبرتها وهي تشير بيدها للأمام
ابوك جوا ادخل شوفه عايز ايه أكيد جاعد مستنيك
لوى ثغره بحنق قبل أن يبتعد ذاهبا عنها نحو
وجهته بداخل المنزل الفسيح تاركا والدته ټضرب كفا بالاخر بيأس وقد فقدت الأمل من اعتدال ولدها أو استقامته
وبداخل الغرفة الواسعة والتي كان يجلس بداخلها عبد المعطي الرجل الكهل على أريكته الخشبية يسبح بمسبحته العقيق ولج إليه فايز يلقي التحية ببعض التقدير والرهبة من هيئته
صباح الخير
ظل الرجل مطرقا برأسه لبعض الوقت قبل أن يرفعها برتابة يحدجه بنظرة غامضة على وجهه المتجهم وفمه المطبق بخط قاسې لم ينبت ببنت شفاه شعر فايز بعدم الراحة فابتلع ريقه بتوجس وهو يخطو بتردد حتى جلس بالقرب منه فوجه سؤاله إليه بريبة
جيت على اتصالك بخصوص الأمر الضروري اللي جولت عليه خير بجى
تحركت أخيرا عضلة بوجه عبد المعطي يومئ بذقنه نحو الطاولة الصغيرة والقريبة من فايز قائلا باقتضاب
خد الورجة اللي قدامك دي الأول وشوفها وبعدين نتكلم
اذعن فايز لمطلب أبيه فتناول الورقة الصغيرة لينظر فيها قضب
قليلا فاتسعت عيناه بمفاجأة قبل أن يستدرك سبب الڠضب المرتسم على وجه أبيه لكن سرعان ما اتخذ القرار داخله في مواجهة الرجل فالتوى ثغره بزاوية ووهو يعيد الورقة لمكانها وكأنه يتوقع الاتى من حديث الرجل وبعدها اتجه نحوه يسأله بلؤم رغم معرفته المسبقة بالإجابة
كيف وصلتلك
امتقع وجه الرجل پغضب مكبوت حتى اهتز له جسده قبل أن يتمالك بصعوبة ليميل بجلسته نحوه مقربا عينيه الحادة ڼصب خاصتي الأخر ليخاطبه بنظرة كاشفة
بتستهبل وعايز تعمل نفسك مش فاهم حاجة إنت يا فايز مش عارف كيف وصلتني ياخي عيب على طولك
احتد الاخر وتهدجت أنفاسه ليهتف پغضب واحتجاج
وايه لازمة الشتيمة وجبة الجيمة دلوك مينفعش تكلمني بأدب واحترام ولا انت باعتلي كدة ع الصبح مخصوص عشان تمسح بكرامتي الأرض
لم يستطع الرجل التماسك أكثر من ذلك فهدر عليه غاضبا
وايه اللي يمنعني من شتيمتك ولا تهزيجك ما انت اللي بتجيب الإهانة لنفسك بعمايلك السودة ايه اللي يمنعني وانت مفيش حاجة بتحوج فيك ولا بتوب جتتك نحست معدتش ينفع فيها ضړب ولا أي شيء تاني
زاد الاحتقان بقلبه وكم الإهانات التي يتلقاها جعلته كالۏحش يصيح بأبيه
انا مسمحلكش مش عيل صغير جدامك انا عشان اسمع منك واجعد ساكت انا مش جليل عشان اسكت على جلة الجيمة دي
هز عبد المعطي رأسه أسفا ليردد بصوت واهن اهلكه الجدال والهم ضاربا بكف يده على ذراع الاريكة الخشبي
ما هي دي المصېبة انك مش صغيرا أو حتى شاب فاير جديد عشان نعرف نبرر للناس افعالك وجلة عقلك ولكن الکاړثة اللي هتجبلي جلطة من جهرتي هي انك راجل كبير لأ وجد كمان
تأفف فايز زافرا من فمه يخرج دفعة كثيفة من الهواء الساخن والمشبع بحقده
قبل أن يرد على والده بنزق
جد لكن برضوا صغير أنا راجل مكلمتش الخمسين لكن انت اللي كبرتني قبل أواني لما زوجتني لبت اخوك على سن صغير ولما كبر ولدي كمان جوزته في نفس السن عشان تكبرني جبل أواني أنا لسة شباب وفي عزي
تغضن وجه عبد المعطي بسخط وظل لعدة لحظات يجاهد لانتظام أنفاسه ومحاولة التماسك حتى لا يقع أو تصيبه ازمة قلبية جراء كلمات ولده المستفزة حتى خرج رده اخيرا ببعض الهدوء الذي لا يخلو من السخرية
ماشي يا راجل يا صغير يا عاجل يصح برضك تتداين بالفلوس من واحد زي صدقي ابو سليم وبالمبلغ الكبير ده وانت عارف ومتأكد بغرضه الأساسي في انه يركبك الديون عشان يضغط عليا في البيت اللي ھيموت ويشتريه
رد فايز ببرود كاد أن يصيب أبيه بالشلل
انا مستلفتش سفه ولا من غير سبب محدش ذلني ليه غير الحوجة
عاد عبد المعطي لصراخه بانفعال
حوجة يا بارد يا عديم الفهم حوجة وانت لا جوزت بت ولا بنيت لك بيت جديد يا راجل دا انت بتجبض مني اول كل شهر مع مرتب المصنع اللي شغال فيه ولا اللي بيوصلك من ريع الأرض اول بأول لكن كيف كيف هيكفي مزاج رأسك من الشرب والخمړة كيف هيكفي صرف الغندورة مرتك بمصارفيها اللي ما بتنتهيش لا هي ولا اولادها وكأنهم بيغرفوا من بير ملوش جرار
انتفض فايز على سيرة زوجته المعززة والتي لا يحتمل عليها كلمة من والده او والدته لعلمه الأكيد بكراهيتهم لها هي واولادها ليصيح پغضب
هو دا بس اللي واخده منكم كل شوية مرتك جالت مرتك عادت لا بتطيجوها ولا بتطيجوا الأرض اللي تحملها وكل ده بسببها! السبب الرئيسي اللي مخليكم كارهين حتى ولادي منها عشان بت اخوك حبيبك
دوى صوت رجولي فجأة بالقرب منهم موجها حديثه لهما
صلوا على النبي يا جماعة ايه اللي حصل بس ومخلي صوتكم واصل لاخر الشارع برا!
انتبه الاثنان والټفت رؤسهما الى صاحب المقولة لتختلف النظرات من أعين فايز الذي حدج الشاب بنظرة حاقدة وكارهه وعين العجوز الذي ارتخت ملامحه المتشددة ولانت لهجته وهو يخاطبه برفق
حمد لله
على سلامتك اطلع لمرتك وعيالك فوج يا حبيبي عشان تريح جتتك من تعب الشغل دي حاجة بسيطة بيني وبين ابوك
ويطلع ليه ما تخليه يتفرج على ابوه وهو بيتهزج وبيتهان على يدك على الاجل ينجل لامه يمكن تهدى ولا يشفى غليلها مني ولا إيه رأيك يا حيلتها
هتف بها فايز وهو يتقدم بخطواته نحو الشاب حتى لكزه بطرف كفه صعق حجازي من فعله وتهجمه باللفظ بدون مبرر وجاء الرد من الجد بحزم
سيب الواد في حاله يا فايز ولا انت مصدجت تلاقيه في وشك عشان تحط غلبك فيه
هتف فايز وهو يتطلع إلى الشاب بكره لا يعرف سببه حجازي كلما رأه او تقريبا منذ نشأته ووعيه
طبعا مش متحمل عليه كلمة وانا ليه هستعجب ما هو حبيبك وتربية يدك اما ابوه فشيطان ويستحج الرجم مش كدة يا بوي
صړخ عبد المعطي بانفعال خرج عن سيطرته
اطلع برا يا فايز خلاص انا جفلت منك ومعدتش طايح اشوف وشك حتى
صاح فايز بسخرية وهو يستدير ليغادر من أمام
نظراتهما المذهولة غير عابئا بنتائج ثورته ولا بأثر كلماته السامة على الاثنان
ماشي وسايبهالك لا تكون مفكر انك هتطردني من سرايا عابدين
سقط عبد المعطي بتعب فور خروج ولده فاتجه إليه حجازي مهرولا بقلق ليطمئن
مالك يا جد ايه اللي حصل لتكون مخدتش علاجك النهاردة
أطرق الرجل برأسه يتنهد بعمق قبل أن ترتفع أنظاره نحوه بنظرة غامضة غير مفهومة وكأنه حسم قرار ما بداخله
خرج فايز بنيرانه المشټعلة وحقده الدائم والازلي لهذا الولد أكبر أبناءه كما يقولون ولكنه لا يعتبره كذلك فشعور الكراهية نحوه تزداد يوما بعد يوم في البداية كان بسبب والدته سليمة ابنة عمه التي تزوج بها صغيرا قبل أن يعي بمباهج الدنيا من النساء الجميلات
محظيتها برعاية والداه وحبهم الشديد لها ولمثاليتها
المستفزة والتي اورثتها لابنها ليفوز بتقدير أهل البلدة كلها وليس أبويه فقط ويبقى هو في نظر الجميع الفاسد البائس زفر من عمق صدره بضيق وهو يسب بالكلمات الوقحة حتى وصل بسيارته لمقر سكنه مع زوجته الثانية شربات
واولاده منها
ولج لداخل المنزل بخطواته المسرعة يلقي التحية باقتضاب قبل أن يصل لغرفته وكما توقع أتت خلفه شربات سائلة بدهشة
ايه اللي طلعك بدري من شغلك كدة يا فايز
غمغم بكلمات غير مفهومة وهو يخلع في حذاء قدميه وتابعت هي هاتفة
ما ترد يا راجل وجعت جلبي لتكون اتعركت مع حد هناك من زمايلك ولا رئيسك زي ما عملت المرة فاتت
رمقها بنظرة ممتعضة ثم استدار ليتناول شيئا ما من