رواية فإذا هوى القلب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
عواطف من إنهاء المكالمة دون أن تحقق غرضها فهتفت بصوت متلهف وقلق
ليه أنا.. أنا أخته على فكرة أخته عواطف!
انتبهت حنان إلى اسمها الذي استدعى إلى ذاكرتها الكثير فرددت بنبرة شبه مصډومة
عواطف!
تابعت عواطف قائلة في محاولة يائسة منها لإبقائها على الخط
أنا عاوزة رياض أخويا في مسألة كده
ابتلعت حنان غصة مريرة في جوفها وردت بصعوبة
مش هاينفع!
زاد قلق عواطف من أسلوبها الجامد في الحديث وهتفت متسائلة
ليه بس إنتي.. إنتي حنان مراته صح
أجابتها حنان بهدوء مشحون بالكثير من المشاعر الأليمة
ايوه يا عواطف أنا مراته!
هتفت عواطف قائلة بإصرار
قاطعتها حنان بنبرة ملتاعة
رياض أخوكي تعيشي انتي!
شهقت عواطف مصډومة حينما وقع على مسامعها تلك الكلمات الموجزة.
خفق قلبها بشدة وصړخت بلا وعي
ايييييه رياض ماټ!!
انتحبت حنان متأثرة وهي تجيبها
ايوه
تساءلت عواطف بنبرة مجذوعة وهي تحاول استيعاب الأمر
امتى وازاي
وضعت حنان سبابتها على طرف أنفها وهمست بصوت مخټنق بعد أن سابت عبراتها الحزينة
أعذريني! مش هاقدر أكمل المكالمة سلامو عليكم!
وضعت السماعة في مكانها ويدها ترتعش بشدة وأصدرت أنينا مكلوما راثية زوجها الفقيد.
وقفت أسيف قبالتها وحدقت فيها بإستغراب متأملة حالتها.
تساءلت أسيف بصوت قلق
مين يا ماما
رفعت حنان أعينها الدامعة لتنظر لها مطولا ثم أسندت كفي يدها على عجلتي مقعدها المتحرك وسارت مبتعدة عنها.
تفاجأت ابنتها بما تفعله ولحقت بها متسائلة بتخوف
ماما في ايه انتي مش بتردي عليا ليه
تجاهلتها حنان وأكملت بكائها الصامت دون أن تضيف أي كلمة مما أثار ريبة أسيف فألحت عليها متسائلة پخوف أكبر
ماما هو ايه اللي حصل
على الجانب الأخر أجهشت عواطف بالبكاء وتعالت شهقاتها المصډومة بعد أن تلقت تلك المفاجأة الموجعة عن ۏفاة شقيقها الأكبر رياض.
هتفت لنفسها غير مصدقة
ياه يا رياض ټموت وأنا معرفش عنك حاجة تروح كده وأنا.. وأنا حتى ماقفش أخد عزاك!
تعالت شهقاتها أكثر وهي تنتحب بتآلم
منهم لله كرهونا في بعض وفرقونا آه يا خويا ربنا يرحمك كنت طيب زي أبويا آآه!
حضرت ابنتها بسمة على صوت عويلها وحدقت فيها متعجبة من بكائها الغريب وسألتها بفضول
خير يا ماما بټعيطي كده ليه
تقطع صوت عواطف وهي تجيبها بنبرة حزينة للغاية
أخويا رياض م.. ماټ!
حكت بسمة مؤخرة رأسها بإستغراب لم يبد عليها أي تأثر بما قالته وردت عليها بفتور
أجابتها عواطف بنبرة متشنجة
مش عارفة.. أنا لسه عارفة إنه ماټ!
مصمصت بسمة شفتيها بتهكم ثم أضافت بنبرة ساخطة وهي تهز حاجبها
حوش يعني الود والمحبة كانوا مقطعين بعضهم! ده احنا منعرفش عنه إلا اسمه يا ماما
لطمت عواطف على صدرها وكذلك فخذيها وهي تضيف بنواح
آه يا خويا اتظلمت وانت حي ومعرفتش أخد عزاك وانت مېت!
زفرت بسمة مستاءة من حزن والدتها الغير مقنع بالنسبة لها فالعلاقة بينهما كانت شبه منعدمة وبالتالي كل ذلك العويل والحزن لن يحدث فارقا معها لذلك صاحت بنزق
يووه سيبك من جو ندب الحظ ده يا ماما!
نظرت عواطف لها شزرا وتمتمت بكلمات مبهمة
فضغطت بسمة على شفتيها مانعة نفسها من قول المزيد من الحماقات.
دنت هي من أمها ومسحت برفق على ظهرها قائلة بجمود
الله يرحمه أهوو ارتاح من قرف الدنيا خلينا احنا في اللي جاي!
أزاحت والدتها يدها عنها ونهضت من على المقعد قائلة بعصبية
سبيني لحالي أه يا خويا آه!
تابعتها بسمة وهي تتحرك في اتجاه غرفتها بنظرات متعجبة للغاية ثم وضعت إصبعيها أسفل ذقنها لتضيف ساخرة
دي مالها دي أل يعني كان دايس البيت زيارات!!!!
إنتاب أسيف الفضول لمعرفة هوية المتصل بوالدتها والذي سبب لها تلك الحالة الكئيبة.
وقفت أمام الهاتف الأرضي تطالعه بنظرات متفرسة.
عضت على شفتها السفلى في حيرة وفركت رأسها بقلق.
وضعت سبابتها بين شفتيها متسائلة مع نفسها بتردد
أكيد اللي اتصل بيها ضايقها وهي مش هتحكيلي حاجة وأنا مش هرتاح إلا لما أعرف بالظبط ايه اللي حصل
زفرت بإستياء وتابعت حديث نفسها
طب أطلب الرقم اللي اتصل واسأله!
تجهمت ملامح وجهها أكثر بامتعاض وهي تقول
بس كده هاتكون حركة بايخة مني!
تنهدت بعمق وأضافت متسائلة وقد عجزت عن التفكير بوضوح
طب مثلا أقول إن الرقم ده كلمنا قبل شوية وأعرف مين بالظبط!
هزت رأسها نافية بشدة وتمتمت بصوت خفيض
مافيش داعي أنا أحاول أعرف من ماما مين اللي اتصل!
وبالفعل عقدت العزم على استدراج والدتها في الحديث لمعرفة هويته دون الحاجة للجوء لوسائل غير مضمونة.
سمعت بسمة
صوت دقات متتالية على باب منزلها فسحبت حجاب رأسها القماشي من على المقعد ولفته على عجالة ثم اتجهت نحو الباب لتفتحه.
مطت فمها في تأفف وضاقت نظراتها نحو تلك الطفلة الصغيرة التي تقف على عتبتها وأردفت قائلة بحدة قليلة معنفة إياها
اتأخرتي على الدرس يا حلوة!
ردت الطفلة قائلة بعبوس
والله ما أنا يا ميس دي ماما اللي أخرتني
نظرت لها بسمة شزرا وتنحنت للجانب قائلة بتجهم
طب خشي يالا مافيش وقت نضيعه عندنا مذاكرة أد كده
هزت الطفلة رأسها بالإيجاب مرددة
حاضر يا ميس
انتظرتها بسمة حتى ولجت إلى داخل الصالة ثم أغلقت الباب خلفها متمتمة مع نفسها بتهكم
هناخد ايه من دروس الحتة الفقر دي!!!
ثم تحركت خلفها لتبدأ في إعطاء الطفلة درسها الخصوصي الذي تتقاضى ثمنا زهيدا مقابل الاستذكار معها جلست أسيف إلى جوار والدتها على الفراش ومسدت على رأسها بنعومة ثم انحنت عليها لتقبلها من جبينها وهمست لها بصوت خفيض
مالك يا ماما لو بس تقوليلي ايه اللي ضايقك كده
ظلت أنظار حنان معلقة بالفراغ أمامها شاردة في سنوات عمرها الماضية حينما كانت فتاة صغيرة مقبلة على الحياة قبل أن تصاب بالعجز.
انهمرت عبراتها في صمت واستمر سيل الذكريات الحزين في التدفق لعقلها بغزارة ليزيد من شقائها.
أخرجها من دوامتها اللا متناهية صوت أسيف الرقيق
عشان خاطري يا ماما أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان ترجعي تضحكي تاني!
نظرت نحوها بحنو ومدت يدها لتضعها على وجنتها وهمست بصوت مبحوح
أنا كويسة يا بنتي اطمني
ابتسمت لها أسيف وهمست متسائلة بحذر بعد أن قټلها الفضول لمعرفة هوية المتصل
ممكن بس تقوليلي مين اللي ضايقك على التليفون
أجابتها حنان بتنهيدة متعبة
دي.. عمتك!
قطبت أسيف جبينها متعجبة مما تفوهت به توا وحدقت في والدتها باستغراب وهي تردد
عمتي!
هزت حنان رأسها بإيماءة خفيفة وهي تجيبها بخفوت
أيوه عمتك عواطف!
رمشت هي بعينيها عدة مرات غير مصدقة أن أبيها لديه أخت لا تعرف عنها شيئا هو لم يخبرها عنها مسبقا.
تساءلت بإندهاش لم يخلو من نبرتها
هو.. هو أنا عندي عمة
ردت عليها حنان بنبرة تحمل المرارة
اه بس للأسف كان في بينا مشاكل زمان ف..... فالعلاقات مكانتش أد كده!
انتبهت أسيف لعبارة والدتها
الأخيرة بكل حواسها وتساءلت مهتمة لمعرفة التفاصيل
مشاكل ايه دي
تنهدت حنان بإنهاك.. ثم ضغطت على شفتيها مجيبة إياها باقتضاب
مش وقته!
أدركت هي أن أمها لا تملك الرغبة للحديث عن تلك المشاكل الآن فلم تلح عليها في تلك المسألة ولكن عقلها دائم التفكير لم يدعها لحالها فهتفت متسائلة بفضول
طب ليه مجاتش عزا بابا
أجابتها هي بإيجاز
مكانتش تعرف
عضت أسيف على شفتها السفلى تفكر فيما قالته أمها إذن فالقطيعة كانت دائمة بين الشقيقين وإلا لكانت أتت عمتها إلى عزاء الراحل.
لم يمنعها ذلك من