رواية وبقى منها حطام أنثى (كاملة حتي الفصل الاخير) بقلم منال سالم
نفسه .. وعاتب نفسه لتفكيره بها بتلك الطريقة ..
هي لم تعد لك لا تخصك أصبحت زوجة أحدهم هي خانتك كانت مخادعة طامحة وراء المال ..
أخذ يردد تلك الكلمات لنفسه ليقنعها بسوء نواياها ..
لكن أبى قلبه أن يصدق هذا ..
تذكر تلك العبرة التي رأها ..
لم يتوهم هذا ..
لقد كانت تبكي وتخفي هذا ..
نفخ بحنق واتجه إلى غرفة صغيرته ليجلس إلى جوارها ..
كذلك لم تتخط حدودها في التعامل مع مالك وحافظت على وجود ذلك الحاجز بينهما وبالرغم من حصوله على رقم هاتفها إلا أنه لم يطلبها ولو لمرة واحدة واكتفى بإملاء أوامره عليها في حال غيابه عن طريق راوية ..
راقبهما من على بعد ..
شعور غريب سيطر عليه حينما سمع ضحكات الاثنتين تعلوان بمرح وسعادة ..
خفق قلبه وتسارعت دقاته ..
رأى غمازتها التي عشقها يوما استشعر دفئا نابعا منها وهي تداعب صغيرته ..
تعلقت بها عيناه وأشرقتا من جديد وكأنهما كانت تحترقان شوقا لها فبات أسيرا لتلك الهالة المحيطة بها ..
عنها وجلس على المقعد المنزوي في جانب الحديقة دون أن ينبس بكلمة ..
لمحت طيفه إيثار فتبدلت ملامحها للإنزعاج .. وأولته ظهرها وكأنه غير موجود
هدأت الصغيرة بعد لعبها المتواصل واقتربت منها لتطلب تناول الطعام فابتسمت لها إيثار وأجلستها على حجرها وقامت بإطعامها بعاطفة صادقة ...
رن هاتفها برقم أخيها عمرو فأجابت على اتصاله قائلة بهدوء
صمتت لتستمع إليه ثم أكمل بجدية
طيب أنا جاية حاضر هنعدي عليه سوا ماشي هستناك هناك !
اصغى مالك لمكالمتها متعمدا وظن أنها تتحدث مع زوجها فتحول وجهه للعبوس وانطفأت نظراته وتبدلت للقتامة ..
أنزلت الصغيرة من عليها وأمسكت بكفها ثم اقتربت منه وأردفت قائلة بحذر
ينفع أمشي بدري
نظر لها بإستعلاء وهو يسألها بإختصار
ارتبكت وهي ترى نظراته نحوها وأجابته بتلعثم
آآ... عندي ظروف ومحتاجة أمشي الوقتي
اعتدل في جلسته ونظر لها بقوة وهو يردد بصوت صارم
وريفان !!!
ردت عليه بخفوت
هي أكلت وخدت شاور وشوية وهايجي ميعاد نومها
نظر في ساعته وتابع بصوت غليظ
بس لسه بدري
استشعرت من حديثه أنه على وشك رفض طلبها فهتفت قائلة بجدية
نظر لها شزرا وهتف بصوت يحمل الإهانة
امشي ! هاتي البنت !
نظرت له بضيق وردت عليه بصوت مقتضب
اتفضل !
أخذ منها الصغيرة ورفعها عن الأرضية العشبية لتجلس على حجره ثم أشار لها بكفه لتمشي ..
تحركت مبتعدة عنه وعلقت حقيبتها على كتفها ثم سارت مسرعة نحو الخارج ...
نظر مالك لابنته بحنو ثم تمتم لها بخفوت
لقد كانت إيثار ..
اتسعت عيناه قليلا ..
لم ير وجهها بل لمحها من ظهرها وهي تسير إلى جوار أخيها وأمامهما رجل غريب ..
ظن أن هذا هو زوجها فحل العبوس على وجهه وانقبض قلبه إلى حد ما ونفخ بحنق ..
لم يعرف لماذا أصابه كل هذا الضيق حينما رأها معه .. هو يعلم أنه أغلق باب كل ما يتعلق بالحب ...
أخذ نفسا عميقا وزفره ببطء ليستعيد هدوء نفسه ثم اندفع خارج السيارة وفتح الباب الخلفي ليحمل صغيرته ..
بقى كده يا مالك تنسى عمتك وجوز عمتك نهون عليك
رد عليها بهدوء وهو يحتضنها
لا والله ده انتو مكانكم في القلب !
سألته ميسرة بإستفهام وهي تطالعه بنظراتها الحنونة
أومال مابتجيش ليه زي الأول
أجابها بتنهيدة إنهاك وهو يرسم ابتسامة مصطنعة على ثغره
مشاغل يا عمتو !
ثم عقد ما بين حاجبيه ليتابع بضجر
وبعدين انتو مش عاوزين تيجوا تعيشوا معايا في الفيلا !
رد عليه زوج عمته قائلا بصوت جاد
لا يا بني
ده بيتنا ومش معقول بعد العمر ده كله نسيبه ونروح نقعد في مكان تاني !
الټفت مالك نحوه وهتف برجاء
يا عمي ده الفيلا متوضبة وواسعة وآآ..
قاطعه إبراهيم بنبرة عنيدة
احنا مرتاحين هنا !
وضعت ميسرة كفها على كتف مالك وابتسمت له
قائلة بهدوء
سيب عمك ابراهيم على راحته وطمني عليك إنت !
رد عليها مبتسما
أنا بخير الحمد لله
سألته ميسرة بإهتمام وهي ترفع حاجبيها للأعلى
وريفان عامل ايه معاها
رد عليها بتنهيدة مطولة
أهي زي ما انتي شايفة
داعبت روان الصغيرة بمرح وهتفت بسعادة وهي تركض خلفها لتمسك بها
بنتك دي عسل يا مالوك أنا بأعشقها
رد عليها مالك بإبتسامة
وهي بتحبك يا روني !
أضافت روان قائلة بتحمس بعد أن حملت الصغيرة على ذراعها
أنا جبتلها لعبة جديدة هاروح أوريهالها
رد عليها بصوت رخيم وهو يشير بعينيه
عيشي حياتك معاها !
هتفت ميسرة بصوت أمومي ناعم وهي تربت على ظهر ابن أخيها
طب خش ارتاح انت في أوضتك يا حبيبي لحد ما أحضرلك الغدا
الټفت برأسه نحوها ورد عليها بفتور
ماشي يا عمتي مع إني ماليش نفس والله !
حركت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار
لالالا مش هاقبل أي حجج إنت النهاردة هتاكل من إيدي ولا خلاص أكلي مابقاش ينفع
ابتسم لها وهو يرد بنبرة دبلوماسية
متقوليش كده ده انتي فيكي البركة يا عمتي !
هتفت بسعادة وهي ترفع بصرها للسماء
ربنا يباركلك يا حبيبي ويعوضك خير يا رب !
ثم ربتت على ذراعه وهي تكمل بهدوء
خش يالا اوضتك ارتاح فيها
أومأ برأسه وهو يقول بإيجاز
حاضر
ولج مالك إلى داخل غرفته .. تأملها بنظرات طويلة ممعنة ..
كان كل شيء كما تركه لم يتغير فيها شيء ..
لقد حرصت عمته على الحفاظ على ترتيب غرفته ونظافتها حتى تظل كما هي .. معدة له حينما يعود في أي وقت ..
التوى ثغره بإبتسامة راضية ..
اتجه إلى شرفته ووقف بها ليستنشق الهواء المنعش
استند بيديه على حافتي السور .. ولا إراديا إرتفعت عيناه للأعلى ليحدق بنافذتها ..
تناقض غريب في مشاعره جعله متخبطا في تفكيره في احساسه في قراراته ..
سنوات مرت ومازال شغفه بها موجودا رغم إنكاره لهذا ..
هو كره خيانتها خداعها لكن قلبه رفض الإنصات إليه .. كلما اقترب منها تجدد شعورها نحوها ..
رغم في مقاومة شعوره بالضعف نحوها وذكر نفسه بأنها خذلته ..
أخفض بصره لينظر إلى الطريق ..
فرأى عمرو وهو يخرج وبصحبته ذلك الرجل الذي رأه قبل قليل ..
دقق النظر فيهما واستمع إلى صوت عمرو المرتفع وهو يردد قائلا بعد مصافحته إياه
متشكر يا دكتور تعبناك
رد عليه الطبيب بجدية
متقوليش كده يا أستاذ عمرو ولو حصل حاجة كلمني أو خلي المدام ايثار تتصل بالعيادة وأنا هاجي على طول !
تابع عمرو قائلا وهو يربت على ظهره
كتر خيرك يا دكتور اتفضل !
تنهد مالك بإرتياح لأن ذلك الرجل لم يكن زوجها ومع ذلك مازال يزعجه التفكير فيها بتلك الصورة المبالغة ...................................
..............................................
الفصل الثالث والعشرون
أستحلفك أن تتركيني ...
حطميني .. ادهسيني .. وإلى قطع صغيرة حوليني
ولكن بالله أن تتركي وريدي وشراييني
_ كان المړض قد تمكن منه ليحول عظامه لفتات وقد ضعف قلبه ولم يعد يتحمل حتى عملية الإنقباض والإنبساط أثناء تنفسه ..
كان أحيانا يشعر بتوقف قلبه عن العمل ويستسلم لنهايته المحتومة ..
حالة من الفزع تجوب منزلهم الصغير خوفا من رحيله عنهم ولكنها السنة الحياتية ..
_ فتح رحيم جفنيه ببطء شديد ونظر للمحيطين به ثم هتف بنبرة واهنة
تحية آآ....
دنت زوجته تحية منه أكثر ثم انحنت برأسها عليه لتكون أذنيها قريبة لصوته ..
مسدت على كفه برفق ثم نطقت بصعوبة وهي تكافح نزول عبراتها
أنا هنا جمبك يا حج استريح ومتتعبش نفسك في الكلام !
رد عليها رحيم وهو يجاهد لإبتلاع ريقه
آآ .. انا نفسي ف... قهوة
فغرت تحية شفتيها لترد وقد ارتفع حاجبها بصورة تلقائية
قهوة!!
ثم عبست بوجهها لتقول بإستنكار
قهوة إيه بس ياحج ده الدكتور مشدد ممنوع القهوة خالص !
أصر رحيم قائلا وقد أكفهرت ملامحه وعبست من تلك الأوامر التي يبغضها
نفسي في قهوة ولا عشان راقد يعني هتمشوني على مزاجكوا
انزعجت تحية من حديثه المؤسف وهتفت مستنكرة وقد استصعبت كلماته ومغزاها
متقولش كده ياحج ده انت الخير والبركة !
_ نهضت إيثار عن المقعد المجاور لفراشه ثم غادرت الحجرة بصورة مفاجئة ..
شعر رحيم پألم أقوى من ألمه الجسدى ..
آلما معنويا حادا لا يفارقه كلما رأى زهرة شباب ابنته والتي أنطفأ النور من وجهها وأصبحت رمزا للشحوب لا ينقصها سوى بعض التجاعيد والثنايات في بشرتها حتى تصبح عجوزا شمطاء .
يها قامت عشان تعمل تليفون ولا حاجة !
أدار رحيم رأسه ناحيه ابنه البكري وهتف بصوت واهن وهو
ينظر له بنظرات معاتبة تحمل من اللوم الكثير
أشفق على نفسه وردد بتحسر ..
أهذه هي صغيرته التي كان يحنو عليها منذ زمن
بحث عن ضحكتها في ذكرياته معها وشرد بخياله في سنوات مضت عندما كان يحضر لها قطع السكاكر والحلوى وهي صغيرة فكانت تركض نحوه لتسرق منه الحلوى فيركض هو خلفها ثم يحملها فوق ظهره لتملا البيت مرحا ..
_ أفاق من نوبة شروده حينما ولجت ابنته للحجرة مرة أخرى وهي تحمل كوبا خزفيا صغيرا من مشروب القهوة الساخنة ..
وعندما وقعت عيني أبيها عليها رقصت البسمة فوق محياه وتحرك قلبه فرحا ..
فلقد غابت لتصنع له مشروبا لم تعده منذ سنوات ولربما نست طريقة إعداده ..
اقتربت منه ثم جذبت المقعد لتقترب من فراشه أكثر وهتفت بنبرة عذبة
عملتلك فنجان قهوة صغير بس متتعودش على كده عشان كلام الدكتور !
_ بدأ يتحرك على الفراش رويدا رويدا ثم مد ساعده نحوها لتقوم هي بنفسها بإسناده دون مساعدة أي شخص أخر .. ولم تتردد في الاستجابة لطلبه الصامت فعاونته في الإستقامة بجلسته ثم أعطته الفنجان وهي تمسح على ظهره بحنو .. بينما نطق العجوز بنبرة كأنما ردت به الروح ليتحول شبابا
شايفة بنت أبوها ياتحية ! مهانش عليها يبقى نفسي في حاجة مش زيك !
ابتسمت تحية وهي تداعبه بالألفاظ
خليها تنفعك يارحيم
سعل رحيم قليلا عقب تجرع رشفه من القهوة ثم رد عليها بصوت متحشرج
هتنفعني ان شاء الله.. دي اللي هتدخلني الجنة ياتحية
_ ابتسمت إيثار برقة فقد أسعدتها عبارته الأخيرة..
ربما كانت بحاجة إلى من يذكرها بالجنة وأن كل ما تعانيه الآن هو في الأصل فاني لا قيمة له وأن ثواب صبرها وجزائها عليه سيكون عظيما ..
_ أغلقت روان باب منزلها ثم وقفت لتضبط وضعية المراجع الدراسية التي تحملها بين يديها .. بينما كانت هناك عينان معلقتان عليها تطالعاها بالأعلى لم تشعر هي بظلهما حتى بدأت تهبط الدرج واختفت عنهما ...
_ كان عمرو متأهبا للذهاب لعمله فاستمع لصوت غلق الباب بالأسفل فأثر الوقوف لمتابعتها عن بعد ..
وعندما وجدها تهبط الدرج هبط خلفها بحذر وهو يطالع كل تفصيلة تخصها...
لفت انتباهه تنسيقها لثيابها الغير مبالغ فيها واحتشامها فيهم وكذلك خطوات سيرها ..
هي ذكرته بأخته الصغرى في احترامها لنفسها