رواية ظنها دمية بين اصابعه (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم سهام صادق
جابر
صعدت أميمة الدرجات الرخامية القليلة المؤدية إلى مدخل المعرض الذي يتكون من عدة طوابق وعلى وجهها جلي الإرهاق بوضوح بسبب ذهابها إلى ذلك المكان الذي كلفها الأستاذ جابر بالذهاب إليه بعدما أبلغها أن هذا ما أمر به السيد عزيز.
توقفت عن سيرها عندما استمعت إلى عامل التوصيل يخبر الحارس الواقف عند باب المدخل بأنه يريد تسليم الطرد الذي يحمله للسيد عزيز الزهار.
_ طرد إيه اللي أنت عايز تسلمه ل عزيز بيه.
زفر العامل أنفاسه بضجر من اسألتهم الكثيرة.
_ يا فندم أنا مش مطلوب مني افتح الطرد وأعرف إيه جواه ... كل اللي عليا إني اوصله للمكان المدون فيه عنوان صاحب الطرد.
انصرف عامل التوصيل بعدما أخذت منه أميمة الطرد وأخبرته أنها سكرتيرة السيد عزيز ووقعت فوق إيصال الإستلام.
_ الحمدلله العريس والعروسه استلموا فرشهم ومبسوطين أوي... عزيز بيه مختار ليهم أحسن حاجة.
طالعها السيد جابر وهو يومئ برأسه تأكيدا على كلامها.
_ عزيز بيه طول عمره بيختار أحسن حاجه ما دام طالعه لله.
تقدمت أميمة من المكتب الخاص بها الذي يقبع على يمين مكتب السيد جابر ثم وضعت ما تحمله عليه وسرعان ما كانت تزفر أنفاسها بقوة وهي تتذكر أمر الطرد.
تعلقت عينين السيد جابر بها ثم بالطرد الذي حملته فور أن وضعته على طاولة مكتبها.
_ هو الطرد ده ل عزيز بيه.
سألها السيد جابر فحركت أميمة رأسها إليه ثم أجابته بكلمات مقتضبه عن أمر هذا الطرد الذي تجهل ما بداخله قبل أن تتجه لمكتب عزيز.
_ شكرا يا أميمه.
تمتم بها عزيز بعدما أعطت له أميمة الطرد وتراجعت بخطواتها وقد عرف على الفور ما بداخله.
رفعت رأسها قليلا لكن سرعان ما أخفضتها هاربة من مشاعرها نحو هذا الرجل الذي يوما بعد يوم يزيد تقديرها وإحترامها له.
ابتسامته الجميلة لحيته الخفيفة مع تلك الخصلات البيضاء القليلة التي نبتت بها زادته وقارا وجاذبية ...
أرجع عزيز ظهره للوراء يستند على ظهر مقعده بعدما غادرت أميمة غرفة مكتبه.
تعلقت عيناه بالعلبة التي أمامه وقد أسدل أهدابه شاردا في مظهرها وهي تسير إليه حافية القدمين وتضم حذاءها بذراعيها ودموعها تلمع في مقلتيها تدعوها بأن تحررها.
عيناه اتسعت في ذعر ليلقي الحذاء داخل العلبة ويغلقها.
رفع كفه يمسح به وجهه زافرا أنفاسه بقوة متمتما.
_ إيه اللي بتفكر فيه دا يا عزيز ... يوم ما تفكر في ست تفكر في بنت عمرها من عمر ولاد أخوك.
تنهيدة طويلة خرجت منه ثم نهض من مقعده يمسح على وجهه مرة أخرى لضيقه من حاله.
غادر المعرض في الوقت الذي يعلم فيه أنه ربما
يصادفها بالطريق ويعطيها ذلك الحذاء الذي قام بإصلاحه وينتهي هذا الأمر.
وللمرة الثانية بهذا اليوم ينهر نفسه على ما يفعله... فها هو يبطئ سرعة سيارته بالطريق المؤدي إلى الڤيلا لعله يراها وهي تسير كما صادفها من قبل.
ضاقت حدقتاه ثم اتسعت عندما وجدها تدلف من الباب الصغير الذي يجاور البوابة الضخمة للڤيلا.
زفر أنفاسه بقوة وهو يدق بوق السيارة بقوة لتنفتح البوابة له.
أخيرا عبرت السيارة للداخل ولم تكن عيناه إلا مع تلك التي تسير جهة الحديقة الخلفية للمنزل.
أسرع عزيز بالترجل من سيارته بعدما لم يجد أمامه إلا أنه عليه إعطائها حذائها ليتوقف رأسه عن التفكير بأمر هذه الفتاة.
_ ليلى
صوته أوقفها مكانها وببطئ استدارت بجسدها تنظر جهة الصوت.
الذهول ارتسم على محياها السيد عزيز ينادي اسمها ويقترب منها.
تراجعت للوراء بتوتر ثم أخفضت رأسها وسرعان ما رفعتها عندما قال.
_ اتفضلي.
تعلقت عيناها بالعلبة التي يمدها لها وقد جلى التساؤل بوضوح في عينيها.
تناولت منه العلبة بحرج ترفع عيناها إليه.
أشار نحو العلبة التي أعطاها لها ثم تنحنح وخرجت نبرة صوته بخشونة.
_ تقدري تفتحيها لما تدخلي.
قالها عزيز ثم صوب عيناه جهة المنزل الذي تسكنه مع عائلة عمها داخل أسوار منزله.
نظرت له ثم هربت بعينيها بعيدا وتساءلت.
_ ممكن أعرف إيه جواها.
_ عزيز بيه.
ارتفع صوت العم سعيد عندما وجد سيده يقف في الباحة الأمامية للمنزل وأمامه ليلى التي عادت للتو من عملها وعلى
ما يبدو أن طريقها تقاطع مع سيده.
تراجعت ليلى خطوة للوراء ثم أطرقت رأسها نحو العلبة التي تحملها.
اقترب منهما العم سعيد ثم نظر نحو العلبة التي تحملها ليلى بفضول ولكنه لم يتساءل.
_ عن اذنكم.
تمتمت بها ليلى بصوت خفيض ثم أسرعت جهة المنزل تحت أنظار عزيز.
_ كنت محتاج حاجه من ليلى يا عزيز بيه.
انفرجت شفتي عزيز قليلا ليتكلم لكن العم سعيد أردف بنبرة يملئها الحماس وقال.
_ شكلك كنت عايز تشكرها على طاجن البسلة باللحمة بتاع امبارح مش قولتلك بتعمله أحسن من عايدة.
ابتسم عزيز ثم أشاح عيناه بعيدا وتحرك من أمامه حتى يهرب من اسئلة العم سعيد.
_ فعلا كنت بشكرها على طاجن البسلة يا راجل يا طيب.
دلفت ليلى الغرفة وأسرعت بغلق الباب ورائها.
نظرت إلى فراش شهد وفراشها المرتب ثم زفرت أنفاسها.
من حسن حظها أن زوجة عمها ما زالت بالڤيلا وعمها مندمجا في مشاهدة التلفاز أما شهد ما زالت في درس الأحياء الذي تتأخر به دائما وتأتي بعد الساعة الثامنة.
تنهيدة طويلة خرجت منها ثم اتجهت نحو فراشها وجلست عليه لتفتح غطاء العلبة.
التمعت عيناها بالدموع وهي ترى كعب الحذاء تم إصلاحه.
دلف عزيز غرفة مكتبه وقد اقتحمه شعور الضيق من حاله.
اجتذب خصلات شعره بضيق ثم أطلق زفيرا طويلا... إنه لا يصدق فعلته.
أخذ يدور بالغرفة دون هوادة إلى أن اقترب من شرفة غرفة مكتبه وأزاح الستار جانبا وقد ظن أنه سيهرب من اقتحامها لرأسه هذه الليلة.
تلاقت عيناه بها حيث وقفت بالجهة المقابلة لشرفة مكتبه وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة واسعة.
يتبع...
بقلم سهام صادق
الفصل الثالث عشر
_ كفاية يا سعيد.
قالتها عايدة وهي تحاول إبتلاع طعامها بعدما سيطرت عليها نوبة من الضحك بسبب احتقان وجه ابنتها وعبوسها.
_ بكره هتقول دكتوره شهد جات دكتوره شهد راحت.
_ وطول ما أنت مسكالي في ايدك البتاع اللي شبه التليفون ده هنقول دكتوره.
_ يا ماما قوليله إني بذاكر عليه...
_ كفايه بقى يا سعيد ... بلاش تناكف فيها بنتي وأنا عارف انها هترفع راسي.
قالها عزيز الذي خرج عن صمته ودافع عن صغيرته.
_ إن شاء الله هتكوني أشطر دكتوره يا شهد.
تمتمت بها ليلى وهي تنظر نحو شهد التي التمعت عيناها بسعادة... فهذا حلمها الذي تنتظره بشوق.
_ صحيح يا عايدة عزيز بيه شكر ليلى بنفسه على طاجن البسلة مش قولتلك ضاعت عليكي.
قالها سعيد ليشاكس شقيقته وقد تلاشت ابتسامة ليلى وتوترت بعدما صوب الجميع أنظارهم عليها.
هربت ليلى بعينيها بعيدا وتخضبت وجنتاها تكسوها حمرة خجل خفيفة.
_ لولو أنت اتكسفتي ولا إيه.
صاحت بها شهد بملاطفة فازداد توتر ليلى التي ازدردت لعابها.
_ أبيه عزيز مش بيمدح في حاجه غير لو كانت عجبته فعلا.
قالتها شهد ثم استطردت مازحة بعدما نظرت لوالدتها.
_ شكلها راحت عليكي يا دودو.
هزت عايدة رأسها يائسة من ابنتها وشقيقها.
_ متحاولوش تعملوا فتنة بيني وبين ليلى ... أنا عايزاها أشطر مني في كل حاجة.
التمعت عينين عزيز بحب عندما تلاقت عيناه بأعين عايدة زوجته.
أسرعت ليلى بالنهوض من مقعدها خشية أن يسألها العم سعيد عن تلك العلبة التي كانت تحملها عندما رأها واقفة معه.
أمر الحذاء لم يركز به أحد ولم يأخذهم الفضول إليه.
_ أنا هعمل شاي...
ألقت كلمتها واتجهت نحو المطبخ هاربة من حصارهم.
ابتسم عزيز وهو يشيعها بنظرات حانية.
_ بلاش تحرجوها انتوا عارفينها بتتكسف من أي كلمه.
قالها عزيز قاصدا بكلامه كلا من شقيق زوجته العم سعيد وابنته.
_ أنا رايح الڤيلا أشوف عزيز بيه.
تمتم بها العم سعيد أثناء نهوضه من مقعده ثم تعالا صوته بمشاكسه.
_ هقول ل عزيز بيه إنك هتعمليله طاجن ورق عنب يا لولو.
أثارت زيارات شاكر الريبة داخل نائل لكن مع الوقت تلاشت شكوكه بعدما بدأ شاكر يخبره بوحدته...
فجدران قصره صارت بلا روح بعد ۏفاة حفيدته ورحيل صالح من المنزل وأخذ صغيره معه حتى والدي صالح ذهبوا للعيش بالمزرعة وتركوا إدارة المشفى لابن شقيق حورية زوجة ابنه.
اجتمع نجيب و شاكر اليوم في منزل نائل الذي قلما فضل الخروج من المنزل.
_ جيبنا أكلة السمك معانا وقولنا نيجي ناكلها معاك يا نائل.
قالها نجيب الذي دلف إلى الداخل وخلفه شاكر الذي اتبعه سائقه يحمل أكياس الطعام.
_ مكنش ليه لزوم كل ده.
تمتم بها نائل وهو ينظر إليهم بعدما تحركوا نحو طاولة الطعام ووضعوا الطعام عليها.
_ ما أنت مرضتش تقبل العزومة قولنا نجيلك بالأكل.
تحرك نائل نحوهم ونظر نحو الطعام وهو يهز رأسه بيأس.
_ ما أنا قولتلك يا شاكر مبخرجش كتير عشان زينب.
_ هي فين زينب صحيح
تساءل شاكر عنها وقد تعلقت عينين نجيب بهما.
_ نزلت تشتري حاجة وزمانها راجعه.
_ يبقى نستناها عشان تتغدا معانا.
هتف بها نجيب وقد أغلق علب الطعام ثم سحب أحد المقاعد وجلس عليه.
تفاجأت زينب عند دلوفها من باب الشقة وصياحها باسم جدها بوجود أصدقائه معه.
أسرعت بوضع يدها على شفتيها حرجا بعدما وجدت أنظارهم عليها قائلة بصوت خفيض.
_ مكنتش فاكرة إن عندنا ضيوف يا جدو.
_ هو إحنا برضوه ضيوف
يا زينب.
قالها نجيب الذي نهض من مقعده وأسرع بفتح علب الطعام بعدما بدأ الجوع يطرق أبواب معدته.
ارتسمت الحيرة على ملامح زينب ونظرت إلى جدها الذي ابتسم إليها.
_ جدك شاكر و جدك نجيب عزمينا على الغدا... هاتي الأطباق والشوك وتعالي.
_ شوك إيه يا نجيب ... مالها ايدينا.
قالها شاكر ببساطة وقد رمقه نجيب بنظرة ضاحكة.
_ شاكر الزيني نزل من عرش ولاد الذوات وهياكل بايده...
_ اسكت يا راجل يا شايب.
بنتي هاتي الأطباق لأننا مش هنخلص من تريقتهم على بعض.
استمرت ضحكاتهم أثناء تناولهم وجبة الغذاء وقد استعاد ثلاثتهم ذكريات تخرجهم من الكلية الحړبية وعملهم سويا بالجيش ولكن شاكر لم يستمر طويلا في خدمته العسكريه واستقال
_ أحلى شاي بالنعناع بتعمله زوزو.
قالها نائل عندما تقدمت حفيدته بأكواب الشاي الذي تصاعدت أبخرته واقتربت منهم لتناولهم الأكواب.
_ تسلم ايدك يا بنتي.
تمتم بها شاكر بنبرة لطيفة ثم تناول منها الكوب وارتشف منه ليتمزج بمذاقه ويمدحه.
ارتفعت زاوية شفتي نجيب بدهاء بعدما بدأ يفهم نوايا صديقه وتقربه من عائلة نائل.
_ أخدت علاجك يا جدو
لطم نائل