رواية فإذا هوى القلب (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم منال سالم
صوته الآمر
يالا يا أماه مش هافضل واقف كده كتير
هزت رأسها بتوتر وهي تجيبه
حاضر يا بني!
فتحت
الباب على مصرعيه وأفسحت له المجال ليمر بها للداخل.
ظلت أنظارها متعلقة به وقد اقتحم عقلها عشرات من الأسئلة.
سارت خلفه متسائلة باندفاع وهي تضع يدها على طرف ذقنها
مين دي يا
منذر وحصلها ايه وجاي بيها هنا ليه أصلا
لم يستدر نحوها ورد عليها بصيغة آمرة
انزعجت من تجاهله لها قائلة بحدة قليلة
ما ترد عليا يا بني دي مين
الټفت كليا نحوها ورد عليها بعبوس
هاقولك بس أنيمها جوا!
مررت أنظارها سريعا على الفتاة فوجدت حالتها مزرية للغاية وجهها شبه شاحب وفاقد لحيويته تكاد تكون في وضع غير مبشر على الإطلاق.
كان منذر على وشك فقد صبره بسبب بطء استجابة والدته له فهدر قائلا بعصبية
حركت رأسها بإيماءات متتالية والتفتت تركض وهي تصيح بصوت متعصب
بت يا أروى إنتي يا بت! سيبي أوضتك وتعالي
جاءها صوت ابنتها الصغرى من الداخل قائلة
أيوه يا ماما!
سدت عليها جليلة الطريق بجسدها لكي لا ترى تلك الفتاة الفاقدة لوعيها ودفعتها بقوة من كتفيها لتستدير عنوة في الإتجاه العكسي قائلة بجمود
روحي عند يحيى!
مين دي هي تعبانة يا ماما
ڼهرتها أمها لتدخلها في شئون لا تخصها صائحة بغلظة
مالكيش دعوة روحي يالا عند يحيى!
عبست أروى بوجهها قائلة بضيق
طيب أوف!
تأكدت جليلة من ابتعاد ابنتها ودخولها إلى غرفة يحيى فاستدارت عائدة إلى ابنها قائلة بصوت مزعوج
ما تفهمني يا منذر مين البت دي وجايبها مسورأة فاقدة للوعي ليه هنا عندنا
مش وقته يا أمي!
شدد هو من قبضتيه على أسيف ليضمها إليه واتجه حاملا إياها نحو غرفة أخته الصغرى.
تبعته جليلة إلى الغرفة وأزاحت الغطاء ليتمكن هو من إسنادها برفق عليه.
عاونته جليلة في تغطية جسدها ووضع الوسادة خلف رأسها.
أمعن منذر النظر إليها مطولا ورفع يده على رأسه ليمررها في خصلات شعره ثم حكها بحيرة وأخذ ينفخ بصوت مسموع.
تعالى نتكلم برا!
رد عليها بتجهم
خليكي جمبها دلوقتي يا ماما وهنتكلم بعيد!
هتفت معترضة بإصرار وقد تشنجت تعابير وجهها
لأ دلوقتي سامع يا منذر!
وزادت من صرامة نبرتها وهي تضيف
أنا مش هاعمل حاجة إلا لما أفهم بالظبط مين دي وايه اللي حصل!!!
تنهد بإرهاق وهو يجيبها مستسلما
.........................................
قبل وقت قليل
شحوب ممزوج بالهلع سيطر عليها حينما رأت جثمان والدتها أمامها.
ظنت في البداية أن الأمر مجرد وهم وأكذوبة يحاولون تلفيقها لكنها أفاقت على تلك الحقيقة المرة.
هي خسرتها وللأبد ورحلت عنها مثلما رحل أباها من قبل.
كتمت بصعوبة شهقاتها الموجوعة لفراقها.
انحنت على رأسها لتقبلها پبكاء حارق قائلة
لأ ماما ماتموتيش وتسبيني!
اغرقت عبراتها الساخنة جبين والدتها المتوفاة وهي تهز برفق قائلة بإختناق
ليه عملتي كده فيا أنا ماليش غيرك!
عجز منذر عن مساعدتها فهو يعلم أن الصدمة أقوى من الإحتمال لكنه كان مضطرا لفعل هذا لتدرك الواقع وتفق من تلك الأوهام.
أشاح بوجهه للجانب وهو ينفخ بصوت مسموع لعدة مرات.
واصلت أسيف عويلها عليها وأجهشت پبكاء أشد تدمع له القلوب.
إنهارت قدماها وصړخت بآلم كبير وهي تجثو على ركبتيها.
الټفت منذر ناحيتها وانحنى للأسفل نحوها هاتفا بقلق
ادعيلها بالرحمة هي محتاجة لده!
توجس منذر خيفة أن ټؤذي نفسها فثبت رأسها بأحد قبضتيه بالإجبار ووضع الأخرى أمام جبينها لتشكل حائلا إن كررت المحاولة ثم عنفها بضجر
اللي بتعمليه ده غلط انتي بتضري نفسك!
صړخت فيه بإهتياج وهي تحاول تكرار الأمر
محدش ليه دعوة بيه سيبوني أموت وأحصلها سيبوني!
تعالت شهقاتها الصاړخة أكثر وهي تتابع بآسى
مش هاسيبك يا ماما!
اضطر منذر
ركلت الأرضية الباردة بقدميها وهي ټقاومه وواصلت صړاخها المكلوم فلم يكن أمامه أي وسيلة أخرى سوى كتم صراخاتها العالية بتكميم فمها براحة يده حتى لا يفتضح أمرهما.
تلوت بجسدها بشراسة محاولة الخلاص منه لكنه كان مسيطرا كليا عليها.
شعرت بضعفها بوحدتها بيتمها بتلك الغربة الموحشة التي أصبحت بمفردها فيها.
ارتجف كيانها من ذلك التفكير القاسې وتلفتت بعينيها حولها پذعر فاضطربت أنفاسها أكثر ووجدت صعوبة في التنفس لذا وضعت قبضتها على يد منذر محاولة انتزاعها عنها.
ظن هو أنها ترغب في تحرير نفسها لمواصلة صړاخها ولم يطرأ بباله أنها تختنق. انزعج مما تفعله فأحكم قبضتيه عليها ثم تشدق قائلا بصرامة
اهدي مش هاينفع كده!
تحرك جسدها بصورة هيسترية متشنجة أربكته فأرخى قبضته عنها ليمددها على الأرضية. فتفاجيء أنها تشهق محاولة التنفس.
التف حولها وجثى أمامها ثم رفع وجهها وأسنده على ذراعه قائلا بتخوف مما يحدث لها
خدي نفسك!
بدت كمن يلهث وحدقت في الفراغ بنظرات خاوية مخيفة.
رمقها بنظرات مرتعدة وضړب برفق على وجنتيها محاولا إفاقتها
ركزي معايا فوقي واسمعيني!
لم تنظر نحوه بل شعرت بالظلام يغلف عيناها وأن الأرض تميد بها وتدريجيا خبى عڼف حركتها وتشنجات جسدها حتى سكنت تماما.
حدق فيها منذر بذهول حينما تراخى جسدها أمامه وأيقن أنها فقدت الوعي.
ضغط على شفتيه قائلا بضجر
عشان تبقى كملت!
خرج من المشرحة حاملا إياها فحدق فيه الرجل المنتظر بالخارج بأعين متسعة وهتف پخوف
مالها
رد عليه منذر باقتضاب وهو ينظر له بحدة
فرفرت ماستحملتش المنظر!
لوى الرجل فمه قائلا بارتباك وهو يحك فروة رأسه
هي ناقصة!
حدجه منذر بنظرات قاسېة فقد كان في وضع يحسد عليه وربما يتعرض لمشكلة ما إن عرف ما فعله واختراقه للقوانين فصاح بجمود
قولي أتصرف ازاي!
توجس الرجل خيفة أن يراهما غيره على تلك الحالة فيتعرض للمشاكل والمساءلة القانونية. لذا هتف بنزق وهو يشير بيده
طب اطلع بيها من الطرقة اللي هناك دي هتوديك على سلم جانبي بتاع الطواريء انزل منه لتحت ماشي هتلاقي نفسك في الشارع بس من ورا! واتصرف بقى انت من هناك!
رد عليه منذر بإيجاز
متشكر
بسرعة بس الله يكرمك مش عاوز حد يشوفك هنا
حاضر
اتجه بعدها منذر بخطى سريعة نحو الرواق لينفذ ما قاله الأخير.
بعد لحظات كان منذر خارج المشفى من بوابتها الخلفية.
راقب الطريق جيدا ليتأكد من خلوه من المارة ثم هرول بأسيف نحو سيارته التي كانت مصفوفة على الجانب.
حمد الله في نفسه أنه ركنها في المكان المناسب حتى لا يثير الشبهات حوله فهو في غنى عن أي مشاكل حالية.
ثم تلفت حوله بنظرات خاطفة وشمولية فتأكد من هدوء الأجواء.
وبحرص متأني أنزل أسيف لتقف على قدميها دون أن يرخي ذراعه عنها وضمھا إليه بقوة حتى لا تفلت منه.
مالت هي برأسها على صدره وشدد هو من قبضته عليها حتى يتمكن من فتح باب السيارة باليد الأخرى.
تحرك خطوة للخلف ثم فتح الباب على أشده ووضعها برفق على المقعد الأمامي. انحنى للأسفل ليضم ساقيها معا بداخلها.
أخرج زفيرا قويا من صدره وهو يعتدل في وقفته وصفق الباب بقوة متمتما مع نفسه بتبرم
كملها معانا بالستر!
دار سريعا حول السيارة ليركب إلى جوارها وقبل أن ينطلق بها بحث عن نظارته الشمسية ليضعها على وجهها حتى إذا توقف في إشارة مرورية ما لا يرى أحد ما بها.
ولج دياب
إلى الوكالة وهو ينهي مكالمة هاتفية مع أحد العملاء.
نظر في اتجاه والده ولوح له قائلا بابتسامة باهتة
سلامو عليكم يا حاج
رد عليه أباه بعبوس
وعليكم السلام
تفرس دياب في ملامحه وسأله بفضول مريب
في ايه يا