رواية ظنها دمية بين اصابعه (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم سهام صادق
العم سعيد بأن تتوقف تلك الفتاة عن صنع الطعام له.
_ مافيش حاجه يا عم سعيد.
أسرع عزيز بخطواته واتجه نحو سيارته التي وقف
عزيز سائقه قربها.
التقط نائل حديث حفيدتيه عن المدرسة التي تبعد عدة أمتار عن مسكنهم وقد أعلنت إدارة المدرسة عن حاجتها لمعلمات يجيدون اللغة الفرنسية.
_ ليه متقدميش يا زينب قوليلي سبب مقنع يخليكي متقدميش والمدرسة قريبة منك... يعني مفيش حجة.
أشاحت زينب عينيها عن ابنة عمها حتى لا تلتقط نظرة عيناها الکسيرة التي تحمل قلة حيلتها.
_ خدي منها الورق وقدمي ليها أنت يا سما.
قالها نائل وهو يتقدم منهن ثم بدأ يسعل قليلا.
انتفضت كلا من زينب و سما واتجهوا ناحيته وعلى وجههن ارتسم القلق.
_ مالك يا جدو.
_ أنا كويس مش من مجرد شوية كحة هتخافوا عليا.
_ زي ما قولتلك خدي أوراقها يا سما وقدمي ليها.
_ بس أنا معنديش خبرة ومشتغلتش قبل كده.
هذه كانت تبريراتها الدائمة التي تخبرهم بها دون مجازفة ثم تؤكد لهم بأنها تحب الجلوس بالمنزل ولا ترغب بالعمل.
_ مالكيش دعوه بيها يا سما وقدمي ليها سامعه.
حركت الأخرى له رأسها بموافقة ثم تساءل نائل بعدما جلس على الأريكة.
أكدت له سما باماءة من رأسها لتهتف زينب بعدما رأت جدية جدها بأمر تقديمها لهذا العمل.
_ يا جدو أنا مش عايزة أشتغل.
قطع نائل كلامها ونظر نحو حفيدته.
_ اعرفيلي مين مديرها يا سما... حاولي تجبيلي
معلومات عنه.
جميع المعلومات عن هذه المدرسة كانت تعطيها سما لجدها قبل أن تقدم زينب أوراقها لهذه الوظيفة.
قالها نائل بملامح ممتعضة بعدما أخبره نجيب بالشخص الذي يستطيع التوسط له ثم واصل كلامه.
_ شوفلي حد تاني من معارفنا يا نجيب أقدر أطلب منه المساعدة دي.
_ للأسف مفيش غير شاكر يا نائل.
كاد أن يتحدث نائل باعتراض من طلب هذا الأمر من شاكر مرة أخرى بعدما أظهر نواياه.
_ يا نائل صدقني شاكر مكنش يقصد اللي أنت فهمته... زينب عجبته أخلاقها وكان عايزاها....
_ اقفل السيرة دي يا نجيب أنا اكتر واحد عارف شاكر كويس.
تنهد نجيب ثم أطرق رأسه ليفكر في شخص أخر يستطيع خدمة نائل بأمر وظيفة زينب.
أخذ نائل من وعدا ألا يخبر شاكر
بهذا الأمر لكن
نجيب كعادته كان لسانه يخونه ويخبر شاكر بحديثهم.
_ يعني مش عايز مساعدتي طول عمره نائل كرامته عزيزه عليه.
_ متقولوش إني عرفت حاجه يا نجيب وأنا هستخدم اتصالاتي واتوسط للبنت...
ترجلت من سيارة الأجرة بعدما نقدت السائق أجرته.
اليوم لم تستقل الباص الذي يخصصه المصنع لموظفينه كعادتها.. فليلة أمس قضتها هي و شهد يشاهدان أحد الأفلام المعروضة وقد غفت متأخرة.
أسرعت بخطواتها نحو بوابة المصنع تنظر بعد كل عدة ثواني لساعة يدها.
_ يا مصطفى أنا مش بأيدي حاجه اعملها ليك.. أنا زيي زيك هنا حتت موظف غلبان.
قالها الحارس الواقف عند بوابة المصنع لصديقه الذي يعمل بالداخل.
_ ليه الظلم ده يا سالم... ده هو اسبوع بس اللي غيبته وكنت قايل ل عاشور يبلغ استاذ أحمد ياخدلي اجازة...
منه لله مكنتش عارف إنه مبلغش حد سبب غيابي.
ثم صاح بنبرة بائسة قد تخللتها الصدمة.
_ يا عالم والله كنت محجوز في المستشفى.
_ ربنا يعوض عليك يا مصطفى.
طأطأ مصطفى رأسه بقلة حيلة وهز رأسه بحزن.
_ يعني مفيش أمل أرجع.
ثم رفع رأسه وأغمض عينيه لوهله ليفتحهما بعد برهة.
_ لله الأمر من قبل ومن بعد.
توقفت ليلى عن سيرها بعدما استمعت لحديثهم الذي جذب انتباهها.
أصابها الضيق وهي ترى قلة الحيلة في أعين ذلك الشاب الذي أثقلته هموم الحياة.
_ لو عرفت اتوسطلك عند استاذ أحمد مش هتأخر يا مصطفى.
حياها الحارس سالم برأسه عندما انتبه على مرورها ثم مضت بطريقها وقد جلى التأثر بوضوح على ملامحها.
لا تعرف لما استمر حديثهم يطرق رأسها طيلة دوامها.
انتهى وقت الدوام وقد كانت أول المغادرين من قاعة العمل.
_ استاذ سالم.
انتبه الحارس على صوتها وقد اقتربت منه ليلى..
لترتسم على محياه ابتسامه واسعة.
_ أهلا أنسة ليلى.
قالها سالم بلطف ونظر إليها منتظرا معرفة سبب ندائها له.
بتوتر تساءلت ليلى بعدما نظرت نحو المبنى الذي يغادر منه زملائها بالعمل.
_ هو إيه حكاية صاحبك.
أطلق سالم زفراته بضيق.
_ مصطفى ده دايما الحظ معاند معاه والله يا استاذه ليلى... الغلب مش راضي يسيبه واهو اتطرد من الشغل.
بعبارات وجيزة أخبرها سالم بحكاية صديقه.
اقتربت منهم سلوى زميلتها وقد ارتسمت الدهشة على ملامحها.
_ هو في حاجة يا ليلى.
نظر سالم إلى ليلى التي أسرعت على الفور بخلق كذبه حتى لا تفضح الأمر.
_ انسيال الفضة بتاعي وقع مني... فجيت اسأل سالم عليه.
هز لها سالم رأسه بتفهم فهي لا تريد الإفصاح عن أمر
صديقه وقد شعر بالأمل لعودة صديقه للعمل لأن ما تغافل عنه منذ عملها هنا تذكره اليوم... عزيز سائق صاحب المصنع عم ليلى.
_ طيب يلا عشان نلحق أول كرسيين في الباص.
هتفت بها سلوى وهي تجذب ذراع ليلى نحو حافلة العمل ليستقلوها.
رفع عزيز عيناه عن صور الأثاث التي أتم مصنعه تصميمه عندما وضعت أميمة فنجان القهوة أمامه.
نظر إلى الوقت في ساعة يده فموعد إنصرافها من عملها مر عليه ثلاثون دقيقة.
_ أنت لسا مروحتيش.
تساءل عزيز وقد تراجعت أميمة بخطوتان إلى الوراء ثم أخفضت رأسها.
_ قولت أعملك قهوتك الأول وبعدين أمشي.
قالتها بنبرة خجله ثم أردفت بصوت خفيض أقرب للهمس.
_ أنا عارفه إن فنجان القهوة بتاعي بيظبط دماغ حضرتك.
ابتسم عزيز فهو لن ينكر هذا الأمر وقال بعدما التقط فنجان القهوة.
_ بصراحة أه... بتظبطلي دماغي... شكرا يا أميمة.
رفعت عيناها التي سبحت في تأمله وسرعان ما
كانت تدرك فداحة إثمها الذي تسقط فيه دون إرادتها.
غادرت أميمة غرفة المكتب ثم أسرعت بالتقاط حقيبتها من على طاولة مكتبها تحت نظرات السيد جابر الذي تعجب من مغادرتها بتلك السرعة.
إنها تفر هاربة من مشاعرها التي صارت تتضح لها يوما بعد يوم.
عادت ليلى من عملها وهي تفكر في أمر ذلك العامل الذي أرادت مساعدته.
ابتسم العم سعيد عندما وقعت عيناه عليها وقد كان يخرج من المنزل متجها نحو الڤيلا.
_ راجعة بدري النهاردة.
تساءل العم سعيد فابتسمت ليلى.
_ الطريق مكنش زحمة النهاردة.
_ طيب يلا ادخلي ارتاحي واوعي تمدي ايدك في المطبخ... أنا النهاردة عملتلكم مسقعة على الطريقة اليونانية.
قالها ثم هز كتفيه بتفاخر.
ضحكت ليلى وقد ضحك هو الأخر.
_ هي على الطريقة المصرية بس لازم امدح نفسي يا لولو بس أوعي تفتني عليا.
انصرف العم سعيد من أمامها فتعلقت عيناها به... الكلام كان على طرفي شفتيها لكنها لم تستطع النطق به.
زفرت أنفاسها بتنهيدة ثم تحركت نحو الداخل.
بعد تناول وجبة العشاء
حاولت التحدث معه وطلب مساعدته لكن لم تسنح لها الفرصة وقد علمت بأي وقت تستطيع الحديث معه.
بالصباح الباكر وكالعادة يكون العم سعيد مستيقظ قبل الساعه السادسة صباحا.
_ صباح الخير.
تمتمت بها ليلى وهي تدلف المطبخ فرمقها العم سعيد بنظرة حانية.
_ صباح الخير يا لولو صاحية ليه بدري النهاردة.... لسا فاضل ساعه ميعاد صحيانك للشغل.
اقتربت منه ليلى وعلى ملامح وجهها ارتسم التوتر.
حدجها العم سعيد بنظرة ضيقة وتساءل.
_ شكل في حاجه عايزه تقوليها ليا قربي تعالي اقعد قصادي واحكيلي.
هذا الرجل العجوز الذي تحبه يفهمها من
نظرة عيناها.
اقتربت منه وقد تلاشى توترها.
_هحكيلك يا عم سعيد وقولي اتصرفت صح ولا غلط.
استمع لها العم سعيد وهو يهز رأسه مع كل كلمه تنطقها إلى أن انتهت.
_ مساعده الغير حلوه يا بنتي... بس إحنا لا نملك في الأمر شئ ولولا مكانتنا عند عزيز بيه مكناش قدرنا نثقل عليه بطالبتنا.
_ أنا آسفه.
تمتمت بها ليلى بخجل بعدما أخفضت رأسها ثم أخذت تفرك يديها بحرج لقد وضعت حالها بأمر أكبر منها... إنها مجرد موظفة بالمصنع وقد نالت الوظيفة بعدما طلب عمها راجيا من سيده أن يساعده في توظيفها والسيد عزيز كان رجلا كريما معهم.
ربت العم سعيد على كفها بحنو وقد شعر بالضيق من حاله لأنه أحزنها.
_ أنا هكلم عزيز بيه... متقلقيش.
رفعت ليلى عيناها إليها فهز لها العم سعيد رأسه بأن تثق به.
أغلق هشام باب غرفة والده بعدما اطمأن عليه وتأكد أنه بالفعل نائم مثلما أخبرته.
احتدت عيناه عندما استمع لصوت زينب التي وقفت تنتظزه أمام غرفة جدها.
استدار نحوها فتراجعت بخطواتها للوراء وهي ترى نظراته القاتمة إليها وعلى الفور خرج صوتها بتعلثم.
_ مش قولتلك يا عمو إنه أخد العلاج ونام.
شهقة خافته خرجت من شفتي زينب عندما قبض هشام على ذراعها واجتذابها نحو غرفتها.
_ شغل إيه اللي قدمتي عليه أنا مش مفهمك إن رعايتك لسيادة اللواء هو سبب وجودك هنا وإن دي شغلانتك.
طأطأت رأسها بحزن فمن شجعها على التقديم بتلك الوظيفة هو جدها.
_ المدرسه قريبه من البيت يا عمو وجدو هو اللي شجعني.
لم يتركها هشام تكمل حديثها وصړخ بها.
_ مفيش شغل... أنت هنا عشان تراعي سيادة اللواء.
ارتجف جسدها من صراخه وعلى الفور هزت له رأسها وقد خرج صوتها بتقطع.
_ بس أنا نفسي اشتغل زي سما و أشرقت.
عندما استمع لاسم ابنته... التقط ذراعها مجددا يهزها ببغض يملأ قلبه منذ أن كان مراهقا نحو السيدة التي أخذت والدهم منهم وأبكت والدته قهرا إلى أن عاد والدهم لأحضانهم.
_ أنت عايزه تجيبي نفسك لبنتي المستشارة أشرقت.
أغمضت زينب عينيها وانسابت دموعها وقد استمر هشام هزها پعنف.
_ بسهولة أقدر أخليهم يفصلوكي من المدرسة فمن نفسك كده متروحيش وأنا وعمك مصطفى هنزودلك المصروف.
قالها هشام ثم أخرج جزدانه ليلتقط منه المال.
_ طبعا عارفه لو كلمه خرجت لسيادة اللواء إيه اللي هيحصلك.
حركت زينب رأسها بضعف وقبضت على المال الذي وضعه في قبضة يدها بقوة.
وقف نائل قرب باب غرفته يستمع إلى صراخه على حفيدته اليتيمه.
انسابت دموعه پقهر... فما فعله بالماضي تحصده حفيدته اليوم.
زادت سرعة ضربات قلبه فأسرع بوضع يده على موضع قلبه وقد ارتفع صوت أنفاسه بهياج.
_ نجيب عنده حق زينب لازم
تتجوز قبل ما أموت.
لطم العم سعيد جبينه عندما نظر نحو ليلى التي دلفت ورائه المطبخ لتسأله عن ردة فعل السيد عزيز.
_ شكلي كبرت فعلا يا بنتي حقك عليا..
قالها العم سعيد بأسف عن نسيانه لما طلبته منه بالصباح وقد وعدها أنه سيحادث السيد عزيز بالمساء.
_ خلاص يا عم سعيد... شكله ملهوش نصيب يرجع المصنع.
_ لا... يا بنتي أنا وعدتك...
ثم أردف بعدما اتجه ناحية البراد.
_ أنا راجع تاني الڤيلا عشان احضر قايمة طلبات الأسبوع... تعالي معايا عشان أنا ڠصب عني بقيت انسي بسرعه.
_ أجي معاك الڤيلا.
خرج صوتها