رواية ظنها دمية بين اصابعه (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم سهام صادق
بتساؤل بعدما تأبطت ذراعها .
_ قوليلي بقى هنشتري لخالي هدية على ذوقك ولا ذوقي.
قالتها شهد فأتاها رد ليلى.
_ ودي محتاجه سؤال يا شهد ... على ذوقي طبعا.
توقفت شهد عن السير لتنظر نحو ليلى وقد مطت شفتيها للأمام... فهذه عادتها إذا لم يعجبها الكلام.
انفلتت ضحكة صغيرة من شفتي ليلى ثم عادت تسحب ذراعها ليكملوا سيرهم.
_ إذا كان كده ماشي.
تمتمت بها شهد لترتفع بعدها صوت ضحكاتها التي كممتها ليلى بكف يدها.
انتهوا من شراء الهدايا التي سيقدموها غدا لتنظر شهد إلى ما قاموا بشرائه.
_ أنا عارفه بعد اللف ده كله مش هتعجبوا الهدايا وهيقول خسارة الفلوس اللي دفعتوها.
قالتها شهد وهي تعطي حقيبة الهدايا إلى ليلى التي داعبت شفتيها ابتسامة خفيفة.
ذهبت كل منهن في طريقها شهد نحو أحد مراكز الدروس الخصوصية و ليلى استقلت إحدى سيارات الأجرة.
أخرجت ليلى جزدانها
لتخرج المال لكن حدقتاها اتسعت فجأة عندما تذكرت الأغراض التي كان عليها شرائها من متجر مستلزمات الحلويات.
طالعت الطريق بنظرة ثاقبة وسرعان ما كانت تغلق حقيبة يدها وتلتقط الأكياس التي وضعتها جوارها.
أعطت السائق أجرته وترجلت من سيارة الأجرة.
من حسن حظها أنها كانت قريبة من المتجر المختص ببيع تلك المستلزمات وقد أخذتها إليه عايدة من قبل.
اشترت ما ستحتاجه ثم نظرت إلى الطريق وأطلقت زفيرا طويلا.
رغم أنها تحب السير بهذا الطريق الخاص بالمجمع السكني الراقي الذي تسكن به إلا أنها اليوم لا تحتمل السير بسبب تورم أحد قدميها.
أخبرت حالها بقرب وصولها ومن وقت لأخر كانت تلتف حولها عندما تستمع إلى صوت سيارة قادمة.
ضاقت حدقتي عزيز وقد أبطئ من سرعة سيارته قليلا.
لم تستدير ليلى برأسها هذه المرة لترى السيارة القادمة ورائها.
_ انا مش هلبس الجزمه دي تاني...
تمتمت بها بصوت خاڤت مستاء ثم سقطت منها إحدي الأكياس التي تحملها.
تيبست ليلى في حركتها عندما وجدت سيارة ذات زجاج معتم تقف جوارها... بنظرة خاطفة تعرفت على السيارة التي وقفت قربها...إنها سيارة السيد عزيز.
ابتعلت لعابها وتحاشت النظر نحو السيارة تتساءل داخلها... هل وقف من أجلها مرة أخرى
انفتح زجاج نافذة السيارة وسرعان ما كان ينفتح الباب جهتها في دعوة صريحة منه أن تصعد السيارة.
تنهد عزيز فهو كلما حاول
إخراج الكلام من بين شفتيه يتوقف على طرف لسانه.
_ اركبي يا ليلى.
خرج الكلام منه أخيرا ثم أشاح عيناه عنها.
رمقها عزيز بنظرة خاطفة وكاد أن يتحرك بالسيارة مرة أخرى لكن ارتفع صوت رنين هاتفه.
انشغل بمكالمته وجلست هي ملتصقة بمقعدها دون حركة أو صوت.
حديثه مع المتصل كان يخص العمل لكن كل كلمة كانت تخرج منه ټخطفها لعالم أخر عالم تعلم أنه لن يجمعها به لكنها اختارت أن تضعه بعالمها الوردي.
اختلس النظر إليها فسقطت عيناه على شفتيها المطلية بطلاء وردي خفيف.
تلك الحركة التي تحرك بها شفتيها جعلته رغما عنه ينتبه على فمها الصغير وسرعان ما كان يشيح عيناه عنها ليتمكن من زفر أنفاسه بقوة ونفض رأسه من أفكاره التي تقوده للهلاك و السقوط نحو وزر يعلم عاقبته.
_ نكمل كلامنا بكرة يا أستاذ بهجت.
انتبهت ليلى على فعلته العجيبة وقد شعرت بالتوتر إنها تخشى أن يكون تضايق من وجودها بسيارته.
توقفت السيارة لتلملم ليلى حاجتها سريعا لتترجل من السيارة.
بنظرات مختلسة كان يتابعها ثم أشاح عيناه بعيدا عنها منتظرا خروجها من سيارته قبل أن يتجه بها لداخل الجراچ.
كادت أن تفتح ليلى باب السيارة لكن تلك السعادة التي وجدتها على ملامح ذلك العامل اليوم وشكره لها جعلها تستدير جهته بتردد وعلى محياها ارتسم الخجل.
_ شكرا إنك ساعدت العامل... كان مبسوط أوي وهو بيشكرني النهاردة...
خرج الكلام من شفتي ليلى بتعلثم ودون أن تنتظر رده فتحت باب السيارة وترجلت منها.
تجمدت ملامح عزيز وعاد الكلام الذي ألقته عليه قبل خروجها من السيارة يتردد صداه داخل رأسه.
باليوم التالي وفي تمام الساعة العاشرة مساء...
كانت الضحكات ترتفع بصخب من الحديقة الخلفية لباحة المنزل حيث مسكن عائلة العم سعيد.
نهض عزيز من فوق مقعده بعدما التقط مغلف صغير من درج مكتبه.
التمعت عينين العم سعيد بالدموع وهو يرى ما أعدته له كلا من ليلى و شهد.
احتضنهم بحب ثم ابتعد عنهم ليمسح دموعه.
تأثرت عايدة لمشاعر شقيقها كما تأثر عزيز هو الأخر لكن سعادته اليوم كانت لا توصف وهو يرى ابنته وابنة شقيقه صارتا متقاربتين من بعضهم وقد فعلوا هذا الإحتفال سويا.
شعور الراحة ارتسم على محياه كما تغلغل داخل فؤاده.
تقدم عزيز منهم وقد انتهوا للتو من إطفاء الشمعة التي وضعوها على قالب التورتة التي تعاون نساء المنزل في صناعتها.
_ عزيز بيه.
قالها عزيز العم ثم أسرع نحوه.
اتجهت عيني ليلى ناحيته وقد خفق قلبها لرؤيته لكن كعادتها أخفضت رأسها حتى لا تفضحها عيناها.
ابتهجت ملامح العم سعيد عندما رأي عزيز يتجه صوبهم ثم قال بسعاده.
_ شايف البنات عملوا ليا إيه يا عزيز بيه
ابتسم عزيز وهو يرى مظاهر الإحتفال البسيط وقد ارتدوا جميعهم على رؤوسم قبعة العيد ميلاد.
_ كل سنه وأنت طيب يا راجل يا طيب.
قالها عزيز ثم مد له ذلك المغلف وقد التقطه منه العم سعيد وتساءل بفضول.
_ إيه ده يا بيه.
_ افتحوا وهتعرف يا راجل يا طيب.
تعلقت أعينهم جميعا بالعم سعيد أثناء فتحه للمغلف الصغير لتنساب دموعه فجأة.
من دموع العم سعيد علم الجميع بما قدمه له السيد عزيز لم تكن المرة الأولى التي يقدم فيها عزيز للعم سعيد أو أحد أفراد عائلته هذة التذكرة بل قدمها لهم من قبل.
_ ليلى... هاتي ل عزيز بيه من التورته... ابعدي عن الشيكولاته لانه مش بيحبها.
أسرعت ليلى بتلبية ما أمرت به عايدة وقد جلس عزيز بين العم سعيد و عزيز سائقه وجلست شهد قبالة عزيز لتمازحه
كعادتها.
اقتربت ليلى منهم بقطعة الحلوى وقد ارتفعت ضحكات عزيز عاليا بسبب مشاغبة الصغيرة شهد.
_ أنت مصېبة يا شوشو.
قالها عزيز ليضمها والدها إلى صدره بعدما
ارتفع صوت العم سعيد بتهكم.
_ دلع فيها يا أخويا دلع... أنا مش عارف مين متعوس الحظ اللي هيتجوزها.
_ الدكتوره شهد ألف مين يتمناها... بنتي هيقف ليها العرسان طوابير.
ارتفعت الضحكات وقد وقفت ليلى قربهم وهو تحمل الطبق بحرج.
انتبه العم سعيد عليها حيث وقفت ورائهم تحمل طبق الحلوى.
_ اهي ليلى بقى اللى هيتجوزها هيكون محظوظ.
ابتسم عزيز العم وهو يؤكد على كلامه ثم نهض ليأخذ منها ما تحمله.
_ لولو دي جوهره ومش أي حد بيفوز ب جوهرة.
_ دوق يا عزيز بيه من طبق الحلو.... أغلب الأصناف المعموله ليلى هي اللي عملاها...
قالتها عايدة بفخر و عزيز رغم رفضه بالبداية من تناول الحلوى ليلا إلا أنه تناول ما صنعته.... وها هو يسقط يوما بعد يوم في قارورة العسل.
اندهشت زينب من أمر جدها لها بأن تغلق باب حجرتها ورائها بعدما أتت لضيفه بواجب الضيافه.
نظر شاكر نحو نائل الذي اعتدل على فراشه ثم أخذ يسعل.
_ أنت كويس يا نائل.
ابتسم نائل بعدما مسح شفتيه بالمحرمة الورقية.
_ شوية كحة ليه مكبرين الموضوع.
هز شاكر رأسه بيأس فهو أيضا يحاط بتلك الأسئلة لمجرد أن يسعل قليلا.
_ والله ما عارف ليه دايما يحسسونا إننا خلاص بنودع.
اتسعت ابتسامة نائل على حديثه فهو أكثر الناس دراية بحب شاكر للحياة.
_ ما أحنا رجل بره ورجل جوه يا راجل يا عجوز ولا أنت لسا مشبعتش من الدنيا.
امتعضت ملامح شاكر ثم أخذ يدق بعصاه أرضا.
_ لا لسا فاضل ليا أمنية من الدنيا لو اتحققت هقول خلاص اخدت كل حاجه.
وبنبرة تحمل الحب واصل كلامه وقد لمعت عيناه بالدموع.
_ نفسي اشوف صالح زي زمان... نفسي اجوزه واشوفه سعيد... أنا ظلمته يا نائل لكن اعمل إيه عيشت طول عمري هدفي مصلحة العيلة وترابطها.
ثم أخفض رأسه بخزي وآسف.
_ سامحني على كلامي أخر مرة معاك الكلام خاني...
أول ما نجيب قالي إنك عايز تشوفني جيتلك على طول.
قدم شاكر إعتذاره الذي قليلا ما يقدمه.
_ اعتبرني مقولتش حاجه... وشغل حفيدتك عندي يا نائل لو حابب إنها تشتغل في شركتي.
_ أنا موافق يا شاكر على عرضك لو لسا فعلا عايز حفيدتي لحفيدك.
انتفض عزيز من المقعد الذي جلس عليه للتو جوار حارس الأمن الذي قدم له كوب الشاي حتى يثرثروا قليلا بالحديث.
خروج سيده من باب المعرض بتلك الطريقة وصوت صراخه عبر الهاتف بأحدهم جعل عزيز يسرع خلفه في قلق.
_ إيه اللي حصل يا عزيز بيه.
تساءل عزيز السائق وهو يحاول إلتقاط أنفاسه من شدة فزعه.
_ بسرعه يا عزيز في حريق في المصنع.
قالها عزيز ثم أسرع بالتحرك نحو سيارته.
_ مصنع ليلى.
خرجت الكلمات من فم عزيز بتقطع وقد وقف مكانه وارتعش جسده من الذعر.
القلق الذي كان يحتل قلب عزيز على عمال مصنعه تضاعف.. حتى أنه لم يشعر بنفسه وهو يقود سيارته بسرعة قصوى وجواره جلس عزيز سائقه يمسك هاتفه بأيدي مرتعشة ويحاول الإتصال ب ليلى.
_ مش بترد
تساءل عزيز بنبرة تحمل القلق وهو ينظر ل عزيز سائقه الذي أخذ يهز رأسه له وقد ثقل لسانه عن الكلام.
خرجت زفرات عزيز بقوة وهو يضرب بوق السيارة حتى تفسح له السيارة الأخرى الطريق.
_ أنا مصدقت رجعتلي يا عزيز بيه...
سقطت دموع عزيز العم بعدما خرجت الكلمات من فمه.
وكلما كان عزيز العم يتحدث...كان عزيز يزيد من سرعة سيارته.
أخيرا وصل عزيز المصنع وقد اصطف العمال بالخارج وأتت الشرطة وسيارات الإسعاف وارتفع الدخان بغزارة من المصنع.
يتبع...
بقلم سهام صادق
الفصل السادس عشر
_ بقلم سهام صادق
وقف عزيز العم كالتائه وقد تدفقت الدموع من مقلتيه وفقد القدره على الحركة وثقل لسانه وبصعوبة خرج صوته بتحشرج.
_ ليلى.
دارت عيناه بين الجموع ثم رفع يده ليضعها على موضع قلبه محاولا إلتقاط أنفاسه.
لحظات مرت عليه كالدهر وهو واقف مكانه ينظر هنا وهناك باحثا عنها.
لقد عاد به الزمن للوراء... عاد به لحظة هرولته في رواق المشفى وهو يسأل هنا وهناك عن الحاډث الذي حدث على الطريق وتم نقل شقيقه وزوجته على اثره.
ضاعت جميع الأصوات من حوله واخترقته ذكريات الماضي بقسوته ولم يعد يسمع شئ مما يدور ولم ينتبه حتى على صوت رجال الشرطة بأن يبتعدوا حتى تتمكن رجال الإطفاء والإسعاف من إتمام عملها.
_ لو سمحتوا يا حضرات ارجعوا ورا شوية... خلينا نشوف شغلنا.
قالها أحد رجال الشرطة ثم أطلق زفيرا قويا بعدما يأس من ذلك التجمهر الذي حدث.
تراجع عزيز بخطواته بعدما تحامل على نفسه وقد عادت عيناه تدور هنا وهناك إلى أن خفق قلبه وانسابت دموعه على خديه ولسانه