رواية ظنها دمية بين اصابعه (كاملة حتى الفصل الأخير) بقلم سهام صادق
أخذ يردد بالحمد.
هرول نحو ليلى التي وقفت على بعد منه وفي يدها زجاجة ماء وتحاول مساعدة إحدى زميلاتها بارتشاف القليل من قطرات الماء.
_ليلى
صاح بها عزيز ثم اجتذبها إلى حضنه دون أن يمهلها لحظة لتستوعب شئ.
أبعدها عنه
حتى ينظر إلى ملامح وجهها الذي غطاه القليل من الرماد المتطاير.
_ أنت كويسه فيك حاجه... حصلك حاجه.
اشفقت ليلى على حال عمها فهو لا يستطيع إلتقاط أنفاسه.
_ عمو أنا كويسه... مفيش حاجه.
عادت عيناه تفيض بالدمع وهو يتأمل كل إنش بها.
_ يعني مش حاسه حاجة بټوجعك.
تساءل عزيز وعيناه تتجولان على ملامحها وقد ازدادت رعشة يديه التي أحاطت وجهها.
_ صدقني يا عمو أنا كويسه... المبنى بتاعنا كان بعيد عن مصدر الحريق.
_ الحمدلله الحمدلله... أنا أول ما عزيز بيه قالي الخبر جيت جري معاه.
قالها عزيز وهو يلتفت حوله يبحث عنه.
ارتفعت دقات قلب ليلى عندما علمت بوجوده وأخذت عيناها تدور بالمكان.
انتبه على أسئلة أحد أفراد الشرطة وقد عاد بتركيزه معهم.
_ عزيز بيه هناك أهو... الله يعينه على مصيبته... هروح يا بنتي أقف معاه.
تمتم بها عزيز وقد وقعت عيناها أخيرا عليه بعدما أشار عمها ناحيته.
نظر عزيز لها ولصديقتها التي استردت أنفاسها أخيرا.
_ متخافش عليا أنا كويسه.
ابتعد عزيز العم متجها نحو سيده الذي وقف يدلك جبينه وعيناه
مسلطه على بوابة المصنع وقد خرج أخر عامل بسلام.
لم يكن يهمه الخسائر التي تكبدها بقدر سلامة كل عامل لديه.
_ عزيز بيه الموضوع في شبهة جنائيه... مش معقول قضاء وقدر.
نظر عزيز نحو ضابط الشرطه ثم تحرك من أمامه قائلا.
_ ليلى تفتكري هيقللوا عددنا بعد اللي حصل في المصنع.
قالتها سلوى وقد عادت الډماء لوجهها واستطاعت تجاوز مشهد النيران التي كانت قريبة منها والتي اندلعت بعدما دوى صوت انفجار شئ بداخل مصنع الإنتاج.
لم تنتبه ليلى على كلام سلوى فلم يكن عقلها إلا منشغلا مع ذلك الذي اختفى عن أنظارها.
أغمضت ليلى جفنيها لثواني ثم فتحتهما واستدارت بجسدها نحو سلوى التي أردفت بعدما انتهت من سعالها.
_ خلينا نمشي وجودنا مبقاش ليه داعي.
وسرعان ما أدركت سلوى ما غفلت عنه وواصلت كلامها.
_ هو عمك هيوصلك يا ليلى ولا هيفضل موجود مع عزيز بيه.
انتبه عزيز على صوت عزيز سائقه بعدما صار على مقربة منه.
استدار عزيز جهته وقد ضاقت عيناه في حيرة وقلق وهو لا يرى ليلى معه.
_ بنت أخوك كويسه يا عزيز اطمنت عليها.
حرص باختيار الكلمات بعناية عند سؤاله وقد خشي أن تفضحه نبرة صوته القلقة.
_ الحمدلله يا عزيز بيه... اهي هناك واقفه مع زميلتها... أنا قولت أجي اطمن عليك وأشوفك لو محتاج مني حاجة.
تحركت عينين عزيز بلهفة نحو الجهة التي أشار ناحيتها عزيز سائقه.
زفرة ارتياح خرجت منه دون أن يدرك وحتى يخفي هذا الشعور الذي تجلى بوضوح على ملامحه...وضع يده على كتف عزيز سائقه وربت عليه قائلا بنبرة رجولية خشنه.
_ روح ليها يا عزيز وشوفها لو محتاجه دكتور..
اتجهت أنظار عزيز العم نحوها في قلق لم يغادر عيناه.
_ طيب وأنت يا بيه... هسيبك لوحدك.
_ متقلقش عليا...بنت أخوك محتاجاك أكتر مني.
ولم يكن أمام عزيز العم إلا الرضوخ إلى ما يحثه عليه سيده وقد أتى مدراء المعارض التي يمتلكها عزيز والتجار الذين يتعامل معهم ليساندوه في مصابه.
...
تلقفتها ذراعي عايدة فور أن دلفت من باب المنزل وقد نهش القلق قلبها منذ أن علمت بالحريق.
_ الحمدلله إنك كويسه... متعرفيش كنت عامله إزاي من ساعة ما سمعت الخبر.
ابتعدت ليلى عنها حتى تطمئنها أنها بخير ولكن شهد وقفت بينهم واحتضنتها.
_ كده يا لولو تخضينا عليكي.
_ والله أنا كويسه... مفيش حاجه.
قالتها وهي تربت على ظهر شهد التي رفعت عيناها إليها وتساءلت.
_ هو فعلا فيه عمال ماتوا وإصابات كتير زي ما شوفت على النت.
كادت أن تتحدث لكن دلوف العم سعيد إلى المنزل وصياحه بحنق من الأقوال الكاذبة التي تشوه سمعة سيده جعلهم ينفجرون من شدة الضحك.
_ هو من امتى الخرفان بتاعكم دا بيقول حاجة صح.
التقط ذراع شهد ودفعها نحو والدها الذي ضمھا إليه ثم واصل
كلامه وتساءل بإهتمام.
_ أنت كويسة يا بنتي... مال وشك أصفر كده... لا أنا لازم اعملك شوية مية بسكر.
لم ينتظر العم سعيد أن يسمع شئ وأسرع نحو المطبخ لينفذ ما قاله.
عناية وإهتمام حظت بهما هذه الليلة.
لكن هو هل سيجد أحدا يرعاه حين عودته !!.
هذا ما كانت تتساءل به ليلى داخلها كلما وجدت العم سعيد يتجه من منزلهم الصغير إلى منزله الصخم.
في الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل
اتجهت زوجة عمها إلى غرفتها لتنام بعدما اشتد النعاس عليها ومثلها فعلت شهد حتى تستطيع الإستيقاظ باكرا ومراجعة أحد دروسها قبل الذهاب إلى المدرسة.
لم يبقى سوى
عمها الذي جلس بالصاله يتابع إحدى
القنوات الإخبارية وينتظر مجئ سيده ليطمئن عليه...
أما العم سعيد استمر حاله بين هنا وهناك.
تقلبت ليلى على فراشها وهي تنظر إلى الساعة المعلقة على الجدار فلم يتبقى سوا عشر دقائق ويصبح عقرب الساعة عند الواحدة صباحا.
أغمضت عيناها لعل النوم يرحم أجفانها ولكنها لا تستطيع النوم والقلق ينهش فؤادها نحوه.
انتفضت فجأة من على الفراش بعدما استمعت لصوت بوق السيارة وسرعان ما كانت تغادر فراشها وتتجه نحو النافذة.
ألقت بنظرة سريعة نحو شهد التي تضع رأسها كعادتها أسفل الوسادة عند نومها.
سمعت صوته وهو يخبر عمها أنه بخير ولكنها لم تتمكن من رؤيته انتظرت على أمل أنه سيتجه نحو غرفة مكتبه لكن مع مرور الوقت ضاع أملها ووجدت العم سعيد يغادر المنزل ويتجه نحو مسكنهم.
عيناها ارتفعت للأعلى فور أن انتبهت على إضاءة غرفته.
استمرت عيناها في تحديقها نحو شرفة غرفته إلى أن غلبها اليأس وأغلقت النافذة ببطئ وأزاحة الستار.
صوت عمها والعم سعيد بالخارج جذب سمعها...
فأسرعت بالتحرك نحو باب الغرفة تسترق السمع على حديثهم.
_ ما أنت عارف عزيز بيه يا عزيز مش بيحمل حد همومه... مقالش ليا غير دعواتك يا راجل يا طيب.
_ الخساير جامدة.. الأقمشة أغلبها اتحرق.
قالها عزيز لشقيق زوجته العم سعيد فهذا ما سمعه عندما كان يقف بين عمال المصنع أثناء وجوده.
_ دي عين وصابته... ما هو ما شاء الله كل يوم في الطالع.
ألقى العم سعيد كلامه ثم أردف بتحسر بعدما ابتلع حبة دوائه التي يتناولها قبل نومه.
_ نفسي يسمع كلامي ويتجوز... لو كان متجوز دلوقتي كان لقى ست مستنياه وخففت عنه.
عاد العم سعيد لنفس الحديث الذي كلما كف عن التكلم عنه وجد شئ يفتحه.
أغلق عزيز التلفاز ثم تثاءب قائلا.
_ تصبح على خير يا سعيد.
أسرعت ليلى بالإبتعاد عن باب الغرفة وسرعان ما كانت تضع يدها على موضع قلبها الذي أخذ يخفق بقوة.
....
أصر نائل اليوم على عدم تناوله وجبات طعامه وهو راقد على الفراش ومهما حاولت زينب إقناعه لكن لم تجد منه إلا الرفض.
وضعت زينب الأطباق على الطاولة وقد أعدت له وجبته الخاصة التي وصفها الطبيب وأعدت لنفسها صنف طعام
أخر.
كانت عيناه معها كلما تحركت إلى أن أتت بالخبز وجلست على يمينه تهتف بمرح تخفي خلفه ۏجع يراه في عينيها التي تفضحها.
_ كده الأكل هيكون ليه طعم عشان سيادة اللوا رجع ينور السفره.
ابتسم نائل بعدما نظر إلى طعامه الذي لم يلقى إستحسانه.
_ دلوقتي الاكل هيكون ليه طعم على السفرة ومن شوية لا يا جدو أنت تعبان...كنت عايزانى أكل وجبتي اللي بتضحكي بيها عليا على السرير.
_ أنا يا جدو.
تساءلت ببراءة بعدما أسبلت جفنيها فأردف نائل بعدما حرك طبقه أمامه.
_ إيه ده أكل مسلوق تاني.
كادت أن تتحدث لكن وجدته يبعد طبقه من أمامه ثم جذب طبقها الذي وضعت داخله أصابع من ورق العنب وقطعه لحم تم تحميرها بالزيت.
_ هو ده الأكل اللي يفتح النفس مش الأكل اللي بتضحكي بيه عليا كل يوم وأنا عشان راجل مطيع بقبل كل اللي بتقدميه ليا.
_ دي تعليمات الدكتور يا جدو.
_ أنا قررت أكل طبقك وأنت تاكلي طبقي.
قالها نائل بعدما التهم صابع ورق العنب الملفوف ويدعو من أمامه لإلتهامه.
_ يا جدو ورق العنب عاملاه بشوربه دسمه ده غير الصلصة الكتير ... الدكتور قايل ده غلط عليك.
_ ينفع تاكلي وأنت ساكته.
وهل أحد يستطيع أن يجعل نائل الرفاعي يستثنى عن قراره.
نظرت زينب إلى صنف الطعام الذي جهزته لجدها وقد طمع بطعامها وبالنهاية كان عليها العودة إلى المطبخ لجلب وعاء الطعام الذي طهت به ورق العنب.
انتهى طعام الغذاء واتجه بعدها نائل نحو الشرفة للجلوس بها فاليوم كانت حرارة الشمس دافئه.
اقتربت منه زينب وهي تحمل كأس العصير له وصنعت لها مشروب الشوكولاته الساخن.
_ قاعدة السرير مبتجيبش غير المړض.
قالها نائل ثم اطلق زفيرا طويلا.
ناولته زينب كأس العصير وعلى محياها ارتسمت ابتسامة دافئة.
_ النهاردة الجو جميل.
حرك لها نائل رأسه تأكيدا على كلامها بعدما ارتشف من كأس العصير ثم وضعه على الطاوله الصغيره وتراجع بجسده للوراء ليسند ظهره على ظهر المقعد.
_ في عريس متقدملك يا زينب.
دون مقدمات ألقى عليها نائل الأمر.
اتسعت حدقتي زينب في دهشة وكادت أن تخبره أنها لن تتزوج وتتركه لكنه قال.
_ حفيد شاكر الزيني... كابتن طيار سابق ودلوقتي المدير التنفيذي لشركة طيران عيلة الزيني ليها أسهم فيها.
نظر لها نائل بعدما أنهى كلامه منتظرا سماع ردها.
_ بس أنا مش هتجوز واسيبك يا جدو.
_ دي سنة الحياة يا حببتي كل بنت مسيرها لبيت جوزها.
حركت زينب رأسها رافضة الأمر وكادت أن تعبر عن رفضها مرة أخرى لكن نائل سبقها قائلا.
_ اقعدي مع العريس الأول وبعدين قولي رأيك.
وبنبرة حكيمة استطرد قائلا.
_ زينب أنا مش هعيش ليكي طول العمر... خليني اطمن عليكي قبل ما اقابل وجه كريم.
رفرفت بأهدابها لتمنع سقوط الدموع ونهضت من مقعدها لتحتضن جدها قائله بنبرة
مرتعشة.
_ متقولش كده يا جدو... ربنا ما يحرمني
منك.
ضمھا نائل لحضنه وقد غامت عيناه بالحزن.
_ عايز اطمن عليكي يا زينب ... عايز اسيبك في الدنيا وأنا مرتاح.
لقد مر يومان على حاډث الحريق الذي أثبتت فيه الأدله أن الواقعة قضاء وقدر.
حاولت ليلى بشتى الطرق أن يتقاطع طريقها مع عزيز لكنها لم تكن تملك الجراءة لتستطيع فعل هذا.
لكن اليوم أصرت بشدة على مساعدة عايدة بالمطبخ متحججه بأنها ضجرت من المكوث